وكان أخي الشيخ أحمد السطيحة رحمه الله يقول : أقل مقام الفقير الزائر أن يتلقاه المزور ، كما يتلقى الأمير الكبير ، وإن كان عنده بطيخ أو رطب أو عنب أو نحو ذلك نقى له أطايبه كما ينقى لمن دخل عليه من أكابر الدولة ، كالدفتردار وقاضي العسكر والسنجق والباشا ، ومتى قصر عن ذلك فقد أساء الأدب مع الفقير ، وإن كان يدعى الفقر قلنا له : أنت لم تشم من طريق الفقر رائحة ، لأن تعظيم الخلق إنما يكون بحسب مقامهم عند الله تعالى ، ولا شك أن صفة الافتقار أقرب إلى الله من صفة الكبرياء والغنى . وقد قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه : يا رب بم يتقرب إليك المتقربون ؟ فقال : بما ليس من صفتي ، فقال يا رب وما هو ؟ قال الذل والافتقار . وهذا الأمر على خلاف القاعدة العقلية من أنه لا يقرب شئ من شئ إلا بما فيه من المشابهة ، فكل ما تخلق به العبد من نظير صفات الحق تعالى في الأسماء التي لم يأذن في التخلق بها يبعده عن الحق كما أشار إليه خبر : " " الكبرياء إزاري والعظمة ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما قصمته " " . فثم صفات لم يأذن الحق في التخلق بها ، وثم صفات أذن لعباده في التخلق بها كالكرم والصفح والحلم ونحو ذلك . وسمعت سيدي الشيخ عبد الحليم بن مصلح رحمه الله يقول : ما خرج أحد لزيارة عالم أو صالح ليستفيد علما أو أدبا إلا رجع بما كان فوق أمله من ذلك ، وما خرج أحد لإنكار أو انتقاد إلا ورجع محملا بالأوزار ، لأن العلماء بالله تعالى جارون على الأخلاق الإلهية في نحو حديث : " " أنا عند ظن عبدي بي " " . وفي نحو حديث : " " المسجد بيتي ، فمن دخل المسجد لشئ فهو حظه " " . واعلم أن الزيارة مأخوذة من الزور : أي الميل ، يقال زار فلان فلانا إذا مال إليه ، ومن شرط صحة الميل لشخص أن يعمى عن مساويه . وقد بلغنا عن السلف أنهم كانوا إذا خرجوا إلى زيارة عالم أو صالح تصدقوا بصدقة وطلبوا بذلك أن الله تعالى يعميهم عن مساوئ ذلك المزور ، فكانوا لا يخرجون من عنده إلا بفائدة ، ولو لم يكن هو من أهلها أجراها الله تعالى على لسانه لموضع صدق الزائر .