لأنه موقف لا يناسبه إلا الذل والمسكنة ، وقد قبل رجل فيه رجل سيدي أفضل الدين رحمه الله ، فكاد يذوب من الحياء من الله تعالى وصار يضرب بيده على وجهه ، فاعلم يا أخي أنك متى رأيت نفسك على أحد هناك فربما حرمت المغفرة . وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول : إياكم وازدراء أحد ممن وقف بعرفة من جمال أو عكام أو غيرهما ممن لا يؤبه له ، فإن الجماعة الذين يغفر الله لأهل الموقف كلهم بدعائهم من شأنهم الخفاء والتستر بحجب العوائد حتى لا يكادوا يتميزون عن عامة الناس بعمل ، فمن ازدرى مثل هؤلاء مقته الله ورجع بلا مغفرة عقوبة له قال وهم عدد قليلون ، تارة يكونون ستة وتارة ثلاثة وتارة واحدا ، فيغفر الله تعالى لأهل الموقف كلهم بشفاعة هؤلاء . فينبغي للعاقل مراعاة هذا الأدب في كل مجمع أشد من غيره ، فإن المجمع لا يخلو غالبا عن ولي مستور يحضر فيه مع الناس يغفر لهم بسببه ، حتى قال بعض العارفين : لا يجتمع ثلاثة قط إلا وفيهم ولي لله تعالى أو وليه . وقد أخبرني سيدي علي الخواص أن شخصا من العلماء استأذنه في الحج سنة من السنين فقال الشيخ له لا تسافر تمقت فقال : كيف أمقت بالحج ؟ ثم خالف وسافر إلى مكة فحضر وقت الخطبة فنهض قائما وقال : يا أهل مكة جمعتكم باطلة ، فإن شرطها أن يسمعها أربعون رجلا من أهل الجمعة ، وما هنا إلا مسافرون ، وكانت الناس متفرقين في ظل الكعبة من شدة الحر ، فوقع لذلك ضجة عظيمة وأعادوا الخطبة ، وكان من جملة من كان حاضرا هناك القطب والأوتاد والأبدال ومن شاء الله تعالى من أوليائه ، فرجع ممقوتا . قال الشيخ علي الخواص : فأول ما رأيته حين دخل مصر وجدته ممقوتا كالجلد الذي لا روح فيه ، ثم قال لي : تقول لي إن حججت تمقت ولولا حضوري هناك في هذه السنة بطلت جمعة أهل مكة في الموسم ، قال الشيخ : فعرفت تمكن المقت منه من القطب والأولياء الحاضرين هناك اه . وقد رأيت أنا صاحب هذه الواقعة ، وقد نزع الله تعالى منه الاعتقاد في سائر العلماء والصالحين فلا تكاد تذكر له أحدا إلا جرحه ، وكان مع ذلك يقرأ كل يوم ختمة . وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى مرارا يقول : أنا خائف على هذا الرجل من الموت على غير حالة مرضية فقلت : ولو أن هذا المنكر كان عنده أدب لعلم أن