فلانا محتاج وقد بلغنا أنه جاء إلى بعض التجار وسأله دينار فأعطاه له ، ثم لم يزل له إبليس حتى ذكره لي وقال إنما ذكرته لك يا سيدي لكوني لا أحب أخفي عنك شيئا ، فانظر كيف أخرجه إبليس من صدقة السر وأوقعه في تزكية نفسه ، ودعوى أنه لا يخفي عني شيئا من أحواله ، ولو أني قلت له أعلمني بعدد ما عندك من الدنيا ما سمح بذلك ، فوالله لقد صار الصدق أعز من الكبريت الأحمر ، ولو أنه كان دخل طريق الفقراء من بابها على يد شيخ لصار دخوله النار أهون عليه من إظهار ما أمره الله بكتمه . قلت : وقد بلغنا أن شخصا صام أربعين سنة لا يشعر به أحد فلم يزل به إبليس حتى أوقعه في التحدث بها ، وذلك أن إبليس جاء إلى القصاب في هيئة فقير وفي عنقه سبحة وعلى كتفه سجادة وصار يقول للجزار أعطني هذه القطعة اللحم المليحة لأن لي ثلاثة أيام صائما ، فلم يزل يكرر ذلك حتى تحرك في قلب ذلك العابد داعية إلى إظهار صومه ، وقال اكتم صومك أنت أفضل لك فإني صائم أربعين سنة ما شعر بذلك أحد ، فقال له إبليس أنا إبليس وما لي حاجة باللحم إلا حتى أوقعتك في إظهار صيامك ، ثم قال له إبليس ، كيف تقول لي اكتم صومك فإنه أفضل وتقع أنت في إظهاره ؟ فندم العابد وفارقه إبليس . واعلم أني ما رأيت في عمري كله أكثر صدقة سرا من شيخنا شيخ الإسلام زكريا شارح البهجة ، والشيخ شهاب الدين ابن الشلبي الحنفي ، لا تكاد تجدهما يظهران من صدقتهما شيئا . وقد جاء شخص من الأشراف إلى شيخنا الشيخ زكريا وقال له يا سيدي قد خطفوا عمامتي الليلة فأعطني ثمن عمامة فأعطاه فلسا فرده الشريف فأخذه الشيخ ، فقلت له إن الفلس لا يكفي في مثل ذلك ، فقال الذنب له الذي جاء بحضرة الناس وقد رغبني الله تعالى في الإسرار بالصدقة فلا أظهر ذلك لأحد من الخلق ، ولو أنه جاء من غير أن يكون عندي أحد لأعطيته ثمن العمامة أو أكثر لأجل جده صلى الله عليه وسلم ، ثم لقيت الشريف بعد ذلك فأخبرته بما قال الشيخ فقال : إن الشيخ أرسل لي عمامة في الليل وها هي على رأسي . وكذلك بلغنا عن سيدي علي النبتيتي بن الجمال أنه كان يرسل كل سنة المائة حمل قمحا وأرزا وغير ذلك إلى مكة في البحر ، ويسافر هو في البر مع الحجاج ، ثم يجلس يبيعها