( أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أن نطعم الطعام لكل من ورد علينا ، ونسقي الماء كذلك ولا نتوقف على استحقاقه لذلك إلا بطريق شرعي تخلقا بأخلاق الله عز وجل ، فإنه يرزق البر والفاجر ، وممن أدركناه على هذا القدم الشيخ محمد بن عنان والشيخ يوسف الحريثي ، والشيخ عبد الحليم بن مصلح ، والشيخ أبو الحسن الغمري ، والشيخ محمد الشناوي الأحمدي رضي الله عنهم ، فكان طعامهم وشرابهم لكل وارد ، وكان الشيخ يوسف الحريثي إذا لم يحضر عنده طعام لا يدع الضيف يخرج من عنده حتى يسقيه الماء . وقد قدمنا أن السخاء هو خلق الله الأعظم . ويحتاج من يعمل بهذا العهد إلى شيخ يخرجه من ظلمات البخل إلى حضرة الكرم ، ويخرجه من الآفات التي تطرق الكريم من شهود فضله على الناس الذين يطعمهم وحب المدحة على ذلك في المدائن وقراها ، فقل كريم هذا الزمان أن يخلص من هذه الورطة ، بل غالب الكرام وجلوا في حب المدح بالكرم وحب تفضيلهم على أقرانهم بذلك . فاسلك يا أخي الطريق على يد شيخ ، وإلا فمن لازمك الآفات وذلك لتطعم لله وتمنع لله وترى على الكشف وللشهود أن جميع ما أنت فيه من النعم هو كله لله تعالى جعله الله تعالى لعباده على يديك ، ليس لك تعمل في تحصيله ، إنما أنت خازن استأمنت الملك على أرزاق عباده ، فلو سجدت لله على الجمر أبد الآبدين ما أديت شكر ذلك ، وقد عم غالب الفقراء في هذا الزمان العلل في أعمالهم وأخلاقهم لقلة من يربيهم أو لقلة سماعهم لمن يربيهم ، فصار المطعم يطعم لعلة والمانع يمنع لعلة ، وصار من لا يطعم الناس يحسد من يطعم الناس ، ويود أن الله تعالى يحول من ذلك الكريم النعمة ، وبعضهم يقول : هو يطعم الناس من عنده إنما المنة لله تعالى في ذلك كل ذلك يقصد أن يطفئ نور أخيه بين الناس حسدا وبغيا ، ولو أنهم فطموا على يد شيخ لحفظهم الله تعالى من تلك الآفات . واعلم يا أخي أن من شأن البشر الملل ممن يحتاج إليه ، فمن الأدب أن لا يطعم العبد للناس إلا ما سمحت به النفس من غير كلفة ، ومن تكلف سوف يهرب ، فحرر النية يا أخي وأطعم الطعام ، واسق الماء من البحر أو من الصهاريج أو من الآبار حسب الطاقة . وممن رأيته تحقق بهذا المقام سيدي علي الخواص ، وكان أكثر ملئه الماء لقعاوي ؟ ؟ الكلاب وحيضان بيوت الخلاء .