كنت خليفة حقاً لم تنازع ولم تصدع بزعم المنافقين وكبت الكافرين وكره الحاسدين وغيظ الباغين وقمت بالأمر حين فشلوا وثبت حين تتعتعوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا فاتبعوك فهدوا وكنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم فوقاً وأمثلهم كلاماً وأصوبهم منطقاً وأطولهم صمتاً وأبلغهم قولاً وأشجعهم نفساً وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملاً كنت والله للدين يعسوباً ولا حين نفر عنه الناس وآخرا حين أقبلوا كنت للمؤمنين أباً رحيماً صاروا عليك عيالاً فحملت أثقال ما ضعفوا ورعيت ما أهملوا وحفظت ما أضاعوا وعلمت ما جهلوا شمرت إذ خفضوا وصبرت إذ جزعوا فأدركت أوتار ما طلبوا وراجعوا رشدهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكافرين عذاباً صباً ولهباً وللمؤمنين رحمة وإنساً وحصناً فطرت والله بغنائها وفزت بحبائها وذهبت بفضائلها وأدركت سوابقها لم تفلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يرع قبلك ولم يخر كنت كالجبل الذي لا تحركه القواصف ولا تزيله العواصف وكنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الناس علينا في صحبتك وذات يدك وكنت كما قال ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله جليلاً في أعين الناس كبيراً في أنفسهم لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع ولا لمخلوق عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه والقوي عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق القريب والبعيد عندك في ذلك سواء أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له شأنك الحق والصدق والرفق قولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم فأقلعت وقد نهج السبيل وسهل العسير وأطفيت النيران واعتدل بك الدين وقوي بك الإيمان وثبت الإسلام والمسلمون وظهر أمر الله ولو كره الكافرون فسبقت والله سبقاً بعيداً وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً وفزت بالخير فوزاً مبيناً فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك في السماء وهدت مصيبتك الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله قضاؤه