وارتفع ، وشيد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ما شرع ، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع .
وبعد فإن القواعد الشرعية ، وقواعد الإسلام المرعية ، وأركان الإيمان العلمية ، ومذاهب الدين المرضية ، هي الأساس الذي يبنى عليه ، والموئل الذي يرجع كل أحد إليه ، والطريق التي من سلكها فاز فوزا عظيما ، ومن زاغ عنها فقد استوجب عذابا أليما ، ولهذا يجب أن تنعقد أحكامها ، ويؤكد دوامها ، وتصان عقائد هذه الأمة عن الاختلاف ، وتزان بالرحمة والعطف والائتلاف ، وتخمد ثوائر البدع ، ويفرق من فرقها ما اجتمع .
وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ، ومد بجهله عنان كلمه ، وتحدث بمسائل الذات والصفات ، ونص في كلامه الفاسد على أمور منكرات ، وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون ، وفاه بما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام .
وأشهر من فتاويه ما استخف به عقول العوام ، وخالف في ذلك فقهاء عصره ، وأعلام علماء شامه ومصره ، وبث به رسائله إلى كل مكان ، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، ولما اتصل بنا ذلك وما سلك به هو ومريدوه ، من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه ، من هذه الأحوال وأشاعوه ، وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه ، حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت والتشبيه والتجسيم ، فقمنا في نصرة الله مشفقين من هذا النبأ العظيم ، وأنكرنا هذه البدعة ، وعز علينا أن تشيع عمن تضمه ممالكه هذه السمعة ، وكرهنا ما فاه به المبطلون ، وتلونا قوله تعالى : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) ، فإنه سبحانه وتعالى تنزه في ذاته وصفاته عن العديل والنظير ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) ،