تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث . واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب - ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أفصح العرب .
وقد قال صاحب ثمار الصناعة " النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله تعالى وكلام فصحاء العرب . فقصره عليهما ولم يذكر الحديث .
وقال أبو حيان [1] في شرح التسهيل يرد على ابن مالك [2] الذي جوز الاستشهاد بالحديث وهو صاحب الألفية المشهورة .
قد أكثر المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب ، وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره . على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء [3] وعيسى بن عمر [4] والخليل [5] وسيبويه [6] من أئمة البصريين - والكسائي [7] والفراء [8] وعلي بن مبارك الأحمر [9] وهشام بن الضرير من أئمة الكوفيين - لم يفعلوا ذلك - وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم ، كنحاة بغداد وأهل الأندلس . وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال : إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم بأن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن الكريم في