ولما أجاب علي بن المديني الذي قال البخاري [1] : ما أستحقر نفسي عند أحد إلا عنده فأجاب في المحنة فتكلموا فيه مع أنه عذر له لو أجاب في الترك كيف مسألة خلق القرآن حتى تحاماه بذلك مسلم [2] مع تساهله في رجاله . وأعجب من هذا أن الذابين عن علي بن المديني لم يجدوا من الذب إلا قولهم : روى عنه فلان ، وروى عنه فلان أنه قال : من قال إن القرآن مخلوق فقد كفر ! ومن قال : إن الله لا يرى فقد كفر ! فهذا التنزيه إن صح هو الذي ينقم عليه به لأنه تكفير مسلم يبوء به أحدهما من غير دليل ، وكيف وما سلم من هذا التكفير أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها ومن وافقها من الصحابة والتابعين في نفي الرؤية - ولكن المحدثين لم يعرفوا مقدار الخطأ في الكلام ، لأنه غير صنعتهم - وكل صاحب سلعة لا يعرف إلا سلعته ، فنقر عن هذا المعنى وخذ في كل فن عن أئمته ، وإياك والدخيل فيه - وتراهم يكررونه فمن أرادوا تنزيهه أو مدحه قالوا : من قال القرآن مخلوق فهو كافر - ذكروا هذا في جماعة ، منهم ابن لهيعة وغيره بل قالوا : ترك المحاسبي ميراث أبيه وقال : أهل ملتين لا يتوارث [3] لأن أباه كان واقفيا .
وقال يحيى بن معين أمير الجرح والتعديل : كان عمرو بن عبيد دهريا ! قيل ، وما الدهري ؟ قال ، يقول : لا شئ . . وما كان عمرو هكذا . فلو طلبت أعظم المتكلمين ، بل القصاص المجازفين لا تكاد تجد من يتجاسر هذا التجاسر على رجل علمه وزهده وتألهه مثل الشمس في الضحى ، وقد تبعه شطر هذه البسيطة . وقال يحيى بن معين في عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية ، ثقة - وهو جليس الحجاج ابن يوسف وكذا قال النسائي وأبو داود والدارقطني ، بل روى له البخاري ومسلم ، وروى البخاري لمروان بن الحكم الذي رمى طلحة وهو في جيشه ، والمتسبب في