ساعدهم على ذلك أن دلائل الفقهاء كلها ظنية الثبوت ولا يشترط فيها التواتر .
ولكل إنسان أن يأخذ بما يطمئن به قلبه من الأحاديث بغير ما حرج .
ولو أنت رجعت إلى كتب المحققين وبخاصة كتاب " أعلام الموقعين " لابن قيم الجوزية لوجدت فيه أحاديث كثيرة تبلغ المائة أو تزيد - لم يأخذ شيوخ الفقه بها ، ولم يخالفوا مذاهبهم من أجلها ، وإذا سألتهم عن سبب استمساكهم بما وجدوه في مذاهبهم وعدم الأخذ عن غيرها قالوا : إن أئمتهم لم يأخذوا بما أخذوا من أحاديث وفتاوى من قبلهم إلا بما اطمأنت به قلوبهم وسكنت إليه نفوسهم مما هو صحيح في رأيهم ، وجرى عليه العمل في أزمانهم ، وإن هؤلاء الأئمة الكبار قد كانوا لقربهم من الصحابة وكبار التابعين أوسع علما ، وأعمق فقها من أصحاب كتب السنة الذين لم تشتهر كتبهم إلا بعد انقضاء القرون الأولى التي هي خير القرون بنص الحديث الذي رووه في ذلك .
وأما أئمة النحو فإنهم لم يجعلوا الحديث من النصوص التي يستشهدون بها على قواعدهم في اللغة والنحو لأنهم استيقنوا أن النص الصحيح للحديث قد ضاعت معالمه ، وأن ما يروى عن النبي لم يأت على حقيقة لفظه ، ولا يعلم أحد على اليقين ما هي الصورة الصحيحة التي نطق النبي بها ، وبذلك لا يصح الاستشهاد بالحديث ، وعلى أنهم لا يأخذون بالحديث الذي جاءهم عن نبيهم ، فإنهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب الذين كانوا يبولون على أعقابهم !
كلمة عامة :
لما انكشف لي ذلك كله وغيره مما يحمله كتابنا - وبدت لي حياة الحديث المحمدي في صورة واضحة جلية تتراءى في مرآة مصقولة ، أصبحت على بينة من أمر ما نسب إلى الرسول من أحاديث ، آخذ ما آخذ منه ونفسي راضية ، وأدع ما أدع وقلبي مطمئن ، ولا علي في هذا أو ذلك أي حرج أو جناح .
ولا يتوهمن أحد أني بدع في ذلك ، فإن علماء [1] الأمة لم يأخذوا بكل حديث