أن ينتقد بالعلم والبرهان والحجة أحدا منهم ، لا في روايته ولا في شهادته ، ولا في سيرته ، ومما قالوه في ذلك أيضا " إن بساطهم قد طوي " كأن العدالة موقوفة عليهم وحدهم وكأنهم في ذلك قد ارتفعوا عن درجة الإنسانية ، فلا يعتريهم ما يعتري كل إنسان من سهو أو خطأ ، أو وهم أو نسيان - ولا نقول الكذب والبهتان !
على أننا لو سلمنا لهم بأن كل صحابي معصوم فيما يقع فيه غيره من بني الإنسان وأنه لا ينسى ولا يخطئ ولا يهم ، ولا يعتريه سوء فهم أو غلط ، وأنه لم يكن في الصحابة منافقون ، ولم يرتكب أحد منهم كبيرة ولا صغيرة ولا وقع بينهم ما وقع ، ولا ارتد بعضهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غير ذلك كله مما حملته كتب التاريخ الصحيحة عنهم - فإن أمر أبي هريرة يباين أمر الصحابة جميعا ، فقد جرحه كبار الصحابة ومن جاء بعدهم وشكوا في روايته ، كما أبنا ذلك من قبل وبخاصة في كتابنا المطول عنه .
ويعجبني قول علماء الكلام - أصحاب العقول الصريحة - في هذا الأمر نفسه ، فقد جاءت عنهم هذه الكلمة الحكيمة وهي " ومن عجيب شأنهم - أي رجال الحديث - أنهم ينسبون ( الشيخ ) [1] إلى الكذب ولا يكتبون عنه ما يوافقه عليه المحدثون - بقدح يحيى بن معين وعلي بن المديني وأشباههما [2] ويحتجون بحديث أبي هريرة فيما لا يوافقه عليه أحد من الصحابة ، وقد أكذبه عمر وعلي وعثمان وعائشة [3] .
وما بيناه من تاريخ أبي هريرة قد سقناه لك على حقيقته ، وأظهرنا شخصيته كما خلقها الله ولم نأت فيها بشئ من عند أنفسنا ، بل أتينا بالروايات الصحيحة فيها ، ورجعنا إلى مصادر ثابتة لا يرقى الشك إليها ، ولا يدنو الريب منها وعلى أننا قد طوينا كثيرا مما أثبته التاريخ الصحيح ، لأن بعض الناس في دهرنا لا يزالون يخشون سطوة الحق ، ولا يحتملون قوة البرهان .
وأبو هريرة لم يكن له - كما قلنا - أي شأن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم