من بعض رواة الصحيح ، ولا يظهر حمله على تعدد القصة [1] ثم إن رواية الرسول له من تميم الداري - إن سلم سندها من العلل - هل تجعل الحديث ملحقا بما حدث به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تلقاء نفسه ، فيجزم بصدق أصله قياسا على إجازته ( صلى الله عليه وسلم ) أو تقريره للعمل ، إذ يدل حله وجوازه ؟ الظاهر لنا أن هذا القياس لا محل له هنا - والنبي ما كان يعلم الغيب فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق ، إذا لم تحف به شبهة ، وكثيرا ما صدق المنافقين والكفار في أحاديثهم وحديث العرينيين [2] وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك ، وإنما كان يعرف كذب بعض الكاذبين بالوحي ، أو ببعض طرق الاختبار ، أو إخبار الثقات ونحو ذلك ، من طرق العلم البشري ، وإنما يمتاز الأنبياء على غيرهم بالوحي والعصمة من الكذب - وما كان الوحي ينزل إلا في أمر الدين وما يتعلق بدعوته وحفظه وحفظ من جاء به ، وتصديق الكاذب ليس كذبا ، وحسبك أن تتأمل في هذا الباب عتاب الله لرسوله ، إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وما علله به وهو قوله " عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " .
وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدقوا الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين ولا يترتب عليه حكم شرعي ، ولا شئ ينافي منصب الرسالة ، أفلا يجوز على من دونهم أن يصدقوا الكاذب في أي خبر لا تقوم القرينة على كذبه فيه ؟ ومن صدق شيئا يجوز أن يحدث به من غير عزو إلى من سمعه منه [3] .