وما زال يمر بالرجل الثبت ، وفيه مقال من لا يعبأ به ، ولو فتحنا هذا الباب على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة ، فبعض الصحابة كفر بعضهم بتأويل ما .
ثم قال بعد كلام : وهكذا كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ، ينبغي أن يطوي ولا يروي ، ويطرح ولا يجعل طعنا . ا ه كلام الذهبي رحمه الله .
قلت : ولو عملنا بكلام الأقران في بعضهم البعض ، لطرحنا - لأجل ذلك - حديث الشعبي نفسه ، فقد كذبه إبراهيم النخعي في دعواه السماع من مسروق ، لا سيما وقد فسر جرحه له ، وبين سببه . ومع ذلك لم يلتفت أحد إلى كلام إبراهيم النخعي في الشعبي ، لأنه صدر عن أمر خارج عن حقيقته ، فلا يعتبر به .
وتكذيب الشعبي للحارث من هذا الباب ، فلذلك روى عنه الشعبي أيضا وأخذ عنه العلم لما زال ما في نفسه عنه ، وذهب وحر صدره . والشعبي - رحمه الله تعالى - كان سريع التكذيب والطعن في كل من حدث بما لم يسمعه من الحديث ولم يبلغه .
ومعلوم أن الحارث كان أعلم بحديث علي - عليه السلام - من الشعبي ، فلما سمع منه ما لم يبلغه من حديث علي عليه السلام - سارع إلى تكذيبه ، وهكذا حاله حتى مع الصحابة ، فكيف بالحارث ! ؟
فقد نقل الحافظ الذهبي في ترجمة الشعبي من " تذكرة الحفاظ " 1 / 83 عن الحاكم ، عن ربيعة بن يزيد ، قال : قعدت إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك ، فحدث رجل من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأطيعوا الأمراء ، فإن كان خيرا فلكم . وإن كان شرا فعليهم وأنتم منه براء " فقال له الشعبي : كذبت .
فهذه القصة فيها دليل بين على أن الشعبي كان سريع التكذيب لمن حدث بما لم يبلغه ، فمن جعل طعن الشعبي في الحارث بالكذب حجة فليجعله في تكذيب هذا الصحابي كذلك ، مع أني أكاد أجزم بأن تكذيب الشعبي للحارث إنما هو من جهة رأيه لا غير .