جهة أخرى فإنّا لم نعثر على مَن تناول آراء المصنّف بالنقد قبل المحقق ، ومعنى ذلك أنّه لم يجرأ أحد على مناقشة المصنّف في حياته ولا في حياة تلامذته ، ومَن جاء بعدهم مدّة تناهز ثمانين عاماً ، وهي المدّة بين وفاتي ابن إدريس 598 ه ووفاة المحقق 676 ه ، وهي تكفي لانقراض الجيل الأول من تلاميذ ابن إدريس ، وربما أكثر الجيل الثاني إذا لم يكن كلّهم .
فهو يروي عن ابن إدريس اما بواسطة واحدة كما في روايته عن نجيب الدين محمّد بن جعفر بن محمّد بن نما الحلي المتوفى سنة 645 عن ابن إدريس ، أو بواسطتين كما في روايته عن السيد محيي الدين الحسيني عن أبي المكارم حمزة بن زهرة الحلبي عن ابن إدريس .
وهذا مؤشّر يعني أنّ الانفتاح الذي بدأه ابن إدريس في مجالي الفقه والأصول ، والدعوة إليه بمناقشة آراء الشيخ الطوسي بعد ذلك الركون والركود ، قد لاقى آذاناً صاغية ، وحصل على أنصار وتلاميذ يقومون بعده برعاية مبادئه ، وحماية آرائه ، لذلك كانت - فيما أظن - مناقشة المحقق له مناقشة هادئة ، ومتسّمة بروح التسامح ، مع الاحتياط التام في عدم الإصحار باسمه ، والاكتفاء عن ذلك بالكناية عنه ببعض المتأخّرين .
ولم أقف على من فتح باب المناقشة مع ابن إدريس صراحة إلى القرن الثامن ، أي بعد وفاة ابن إدريس بقرن وربع قرن تقريباً .
ففي القرن الثامن نجد أبرز فقهاء عصره العلامة الحلي المتوفى سنة 726 أي بعد نصف قرن من وفاة المحقق الحلي ، نجد هذا الإمام في مجالي الفقه والأصول ، يقف من آراء المصنّف موقفاً يتسم بالعنف والمحاسبة الدقيقة ، مما يجعلنا نؤمن بصحة احتمالنا في تفسير موقف المحقق الحلي الآنف الذكر .