تشخيص الظروف والأوضاع في حركة التأريخ . ولعل من الشواهد على ما نذكره عن طبيعة هذه المرحلة هو ما نعرفه عن ابن عباس الذي يعتبر من أبرز الصحابة في التفسير ، حيث كان يعتمد في تفسيره للقرآن - في أغلب الأحيان - على ما يعرفه من مفردات اللغة العربية وما يحفظه من شعر العرب أو أسباب النزول . وقد اعتبر هذا الاطلاع الواسع على مفردات اللغة من قبل ابن عباس أساس امتيازه في التفسير وعلو شأنه . وهذا الطابع العام نجده أيضا في محاولات بقية الصحابة والتابعين أيضا ، فإذا لاحظنا صحيح البخاري - وهو أحد الكتب التي تتعرض للتفسير في هذه المرحلة - نجده يذكر التفسير في حدود هذه المشكلة ذاتها ولا يكاد يتعداها ، وهذا الشئ نفسه نجده عندما نلاحظ الكتب التفسيرية الأخرى التي تنقل إلينا آراء الصحابة والتابعين بدقة . والى جانب هذا الاستقراء توجد لدينا بعض الشواهد التأريخية ذات الدلالة البينة على طبيعة المرحلة ، والتزام الصحابة لحدودها في محاولاتهم التفسيرية ، فقد روي أن رجلا يقال له : ( ابن صبيغ ) قدم المدينة - في زمن عمر بن الخطاب - فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه الخليفة وضربه بعراجين النخل حتى ترك ظهره دبره ، ثم تركه حتى يرى ، ثم عاد وبعد ان تكرر ذلك للمرة الثالثة دعا به ليعود ، فقال ابن صبيغ ضارعا ! ان كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا أو ردني إلى أرضي بالبصرة ، فاذن له إلى ارضه ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري الا يجالسه أحد من المسلمين [1] . وهذه الرواية تدلنا على مدى استنكار الصحابة للدخول في مشاكل عقلية