الانسان عليه ، وانما يلحظ القرآن جانبا معينا من الانسجام والتوافق ، كما نفعل ذلك في حياتنا العملية ، حين نستثمر الأوزان والمكاييل للتعريف بالمواد الغذائية وغيرها ، مع عدم وجود التوافق بينها وبين المواد الغذائية ، في شكل أو صورة أو حجم . وحين نستعمل الصورة المادية المحسوسة - التي عرفها الانسان في حياته - كأمثال للمعارف الإلهية المجردة يقع الفهم الانساني في ادراكه لهذه المعارف الممثلة بين أمرين ، قد يستلزم كل منهما محذورا : الأول : الجمود بهذه المعارف في مرتبة الحس المادي ، وحينئذ تنقلب عن واقعها المجرد الذي استهدفته الهداية القرآنية . الثاني : الانعتاق من الاطار المادي للمثال ، والقيام بعملية تجريد للخصوصيات غير الداخلة في التمثيل ، وهذا يستلزم - أحيانا - الزيادة والنقيصة في هذه العملية أو الشدة والضعف . ولذا نجد القرآن يلجأ إلى عملية واسعة في التمثيل تفاديا لهذه المشاكل العقلية والنفسية ، وذلك بتوزيع المعاني التي يريد من الانسان ادراكها ، وتربيته على تصورها إلى أمثال مختلفة ، وجعلها في قوالب متنوعة ، حتى يفسر بعضها بعضا ، ويوضح بعضها أمر بعض ، لينتهي الامر إلى تصفية عامة تؤدي إلى النتيجتين التاليتين : الأولى : ان البيانات القرآنية ليست الا أمثالا ، لها في ما ورائها حقائق ممثلة ، وليس الهدف والمقصود منها مرتبطا باللفظ المأخوذ من الحس والمحسوسات ، فنتخلص بذلك من محذور الجمود . الثانية : بعد الالتفات إلى أن البيانات القرآنية أمثال نعلم حدود المعنى الإلهي المقصود من وراء هذه البيانات ، حين نجمع بين هذه الأمثال المتعددة وننفي بكل