وهذا الشعور هو ما نحس به في حالات الادراك الاعتيادية تجاه أفكارنا العادية أو المبتكرة نتيجة الجهد العلمي فإننا - مع اعتقادنا بأن أفكارنا منسوبة إلى الله تعالى على أساس أنه الخالق المدبر لعالم الوجود بجميع مقوماته ، ومنه قدرتنا على التفكر - نشعر وكأن هذه الفكرة وليدة هذا المزيج المركب الذي أودعه الله في أنفسنا ، وناتجة عن مجموعة المواهب والقدرات الشخصية لنا . ب - ان يشعر الانسان بأن الفكرة قد القيت إليه من طرف آخر وجاءته من خارج ذاته ، وشعوره هذا بدرجة من الوضوح بحيث يحس بهذا الالقاء والانفصالية بين الذات الملقية والذات المتلقية ، ولكنه مع ذلك كله لا يكاد يحس بالأسلوب والطريقة التي تمت فيها عملية إلقاء الفكرة . وهذا النحو من الشعور تجاه الفكرة هو ما يحصل في حالات ( الالهام ) الإلهي [1] . ج - أن يصاحب الشعور الحسي الذي شرحناه في فقرة ( ب ) ، شعور حسي آخر بالطريقة والأسلوب الذي تتم به عملية الالقاء والاتصال ، وهذا الحس والشعور - سواء الحس بأن الفكرة جاءت من اعلى أو الحس بأن مجيئها كان بالأسلوب الخاص - لا بد فيه ان يكون واضحا وجليا وضوح ادراكنا للأشياء بحواسنا العادية ، غاية الامر في موارد الادراك بالحواس العادية ( السمع والبصر واللمس ) يكون التلقي بالوسائل المادية التي هي طرق الاثبات العلمية المادية ، واما التلقي إذا لم يكن بالأدوات الحسية أو كان ولكن الطرف الآخر في الالقاء كان غير حسي فهذا هو ما يحدث في حالات ( الوحي ) إلى الأنبياء ، أو على الأقل ما حدث في وحي القرآن الكريم إلى نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) . كما تؤكد ذلك مجموعة من الأحاديث التي تصف حالات الوحي الإلهي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، نذكر منها ما يلي :
[1] قارن ذلك بما ذكره الدكتور صبحي الصالح في كتابه " مباحث في علوم القرآن " .