وهكذا حمله الحافظ أحمد العاصمي ( المولود 378 ه - . ) فقال :
" إنّ هذا من جنس ما كان نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأمر والنهي وغير ذلك على جهة التبليغ لا على جهة أنّه قرآن يُتلى ويكتب في المصاحف ; لأنّه لو كان من القرآن المتلوّ المكتوب في المصاحف لما بطل بأكل الداجن ولما سقط بالنسخ ، والله عزّ وجلّ يقول : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) وقال : ( لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه ) ، ولو كان من القرآن لما اجتمع الناسخ والمنسوخ في آية واحدة بل كانت الآية الناسخة تتأخر عن المنسوخ كما لا يجوز أنْ يجتمع حكمان مختلفان في وقت واحد وحال واحدة .
وكيف يجوز أن يكون قرآناً يُتلى على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما أخبرت به عائشة رضي الله عنها ولا يحفظه واحد من الصحابة ولا كاتب الوحي الذي جمع القرآن في زمن أبي بكر وعثمان وهو زيد بن ثابت رضي الله عنهم ، ولو كان من القرآن لما احتمل ما يذكرون حدوثه من السَّهو والإغفال والتفريط حتّى أكله الداجن أو سقط من المصحف مع شدة حرص الصّحابة رضي الله عنهم على جمعه وحفظه كما لم يحدث في غيره من الآي ، يدل على أنّه من جنس ما كان ينزل عليه على جهة التبليغ والرِّسالة لا على جهة أنّه قرآن يتلى أو يكتب . ومن نحو هذا ما روي عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال حكاية عن ربّه عزّ وجلّ : " كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به " وقوله صلّى الله عليه وسلّم : " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء " وما نحوها ، أخبار كثيرة . . . وقولها ( أي عائشة ) " كانت في صحيفة " تجوز أن تكون من السنة المكتوبة في