ليس باستطاعتنا الوصول إلى كنه معاني آيات القرآن ، لأنّ في القرآن محكما ومتشابها ، وخاصّا وعامّا ، ومطلقا ومقيّدا ، ونصّا وظاهرا ، وظاهرا وباطنا . فأنّى للعقل البشريّ الناقص استكناه مغزى الآيات القرآنيّة ؟ وليس أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، كما جاء في الرواية . وأنّ تعيين معنى بالضبط لآية من آي القرآن ، وأنّه مراد للَّه عزّ وجلّ ، بحاجة إلى دليل وحجّة شرعيّة ، وأنّى لنا ذلك ؟
فالواجب إذن تفسير القرآن بالأحاديث المأثورة من دون اعتماد على العقل ومستنبطاته . ومن هؤلاء العلَّامة المحدّث السيّد هاشم البحراني قدّس سرّه في تفسيره البرهان ، والسيوطي في تفسيره الدرّ المنثور .
الثاني : التفسير بالرأي . وهو تفسير القرآن اعتمادا على العقل وما يتوصّل إليه الفكر البشري في توضيح آية وتفسيرها ، مستعينا في ذلك بالقرائن والشواهد وملابسات الآية . وكان هذا دأب عدّة من المفسّرين في صدر الإسلام .
وقد أثار هذا النوع من التفسير النقاش الحادّ آنذاك ، فبين مسوّغ له لا يراه ممنوعا منه شرعا ، وبين منكر له يراه غير مسموح به شرعا ، وأنّه يؤول إلى تفسير كلام اللَّه تعالى بما لا يحرز رضاه به . وفي الروايات المنع الأكيد والنهي الشديد عنه ، فقد قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله : « من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار » « 1 » .
الثالث : تفسير القرآن بالقرآن . وفي هذا النوع من التفسير يستعين المفسّر في شرح آية وتفسيرها بآية أخرى مشابهة لها في الحكم والملابسات ، لكنّها أكثر وضوحا وشمولا من الأولى . وهذا من باب تطبيق الأشباه والنظائر بعضها على بعض . خذ لذلك مثالا :
قال تعالى : * ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْه وأَنْزَلَ التَّوْراةَ