أي منقادين وأصله فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع وترك الخبر على حاله . وقيل لما وصفت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم في الصفة أيضا كما في قوله تعالى ( رأيتهم لي ساجدين ) وقيل : أريد بها الرؤساء والجماعات من قولهم : جاءني عشرة من الناس : أي فوج منهم ، وقرئ خاضعة .
( ضلوا وإن سبيل الغى مقصدهم * لهم عن الرشد أغلال وأفياد ) في سورة الرعد عند قوله تعالى ( وأولئك الأغلال في أعناقهم ) وصف بالإصرار كقوله ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ) الغل : جامعة تشد بها العنق واليد ، والأغلال جمعه ، والقيد : ما يوضع على الرجل فيمنع عن السير ، يقول : اتخذوا سبيل الغى مقصدا ولهم من الرشد أغلال بحيث لا يقدرون أن يمشوا إليه بأرجلهم .
( ما إن هلعت ولا جزعت * ولا يرد بكاي زندا ) في سورة الرعد عند قوله تعالى ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ) حيث كان الصبر مطلقا فيما يصبر عليه من المصائب . لئلا يعاب بالجزع ، ولئلا تشمت به الأعداء كقوله :
وتجلدي للشامتين أريهم * أنى لريب الدهر لا أتضعضع وما أحسن قول سيدي عمر بن الفارض :
ويحسن إظهار التجلد للعدا * ويقبح غير العجز عند الأحبة على أنه لا رد للفائت كما قيل : ما أبعد ما فات ، وما أقرب ما هو آت ، وما أحسن قول من قال متأسفا على حلاوة ما مر من سالف الليالي :
آها لها من ليال هل تعود كما * كانت وأي ليال عاد ماضيها لم أنسها مذ نأت عنى ببهجتها * وأي أنس من الأيام ينسيها والهلع أفحش الجزع ، وقد فسره الله تعالى بقوله ( إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) وقد جاء في الحديث " من شر ما أوتى العبد شح هالع وجبن خالع " أي يجزع فيه العبد ويحزن كما يقال يوم عاصف وليل نائم ، والخالع كأنه خلع فؤاده لشدته . وقوله : ولا يرد بكاي زندا ، يقال : تزند فلان إذا ضاق بالجواب وغضب ومنه قول عدى * فقل مثل ما قالوا ولا تتزند * يروى بالنون والباء ، والزند مثل في الشئ الحقير القليل كالنقير والقطمير والفتيل . يقال للحقير زندان في مرقعة ، وهما الزند الأعلى والزندة السفلى ، ولهذا ثنى ، فعلى هذا يكون ذكر الزند تقليلا لفائدة الحزن . وبعضهم يرويه بالياء ، يعنى به زيد بن الخطاب أخا الإمام عمر رضي الله عنه ، وكان بينهما صداقة في الجاهلية ، وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة مريم عند قوله تعالى ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا ) أي مرجعا وعاقبة أو منفعة ، من قولهم ليس لهذا الأمر مرد ، وهل يرد بكاي زيدا . والبيت لعمرو بن معد يكرب من قصيدة أولها :
ليس الجمال بمئزر * فاعلم وإن رديت بردا إن الجمال معادن * ومناقب أورثن مجدا كم من أخ لي صالح * بوأته بيدي لحدا وبعده البيت ، وبعده :