عند قوله تعالى ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) حيث جعلت إن صلة كما أنشد البيت المذكور الأخفش من شعر إياس بن الأرت ، وقبله :
فإن أمسك فإن العيش حلو * إلى كأنه عسل مشوب وبعده : وما يدرى الحريص علام يلقى * شرا شره أيخطئ أم يصيب ومعنى البيت : أن الإنسان تمتد أطماعه إلى الأمور المغيبة التي لا يراها ويعترض الموت عندها أو يعترض دون أقربها عنده حصولا الأمور الشديدة التي لا تقطع رجاءه ، فما ظنك بأبعد الأشياء ؟ وقريب من هذا المعنى قوله : المرء قد يرجو الرجا * ء مؤملا والموت دونه واعلم أن دون تستعمل بمعنى عند ، وقد تستعمل في معنى قولهم : هذا دونه ، أي أقرب منه ; وقد وقع لمحرره في شرحه لبيتي الغزي المشهورين ، وهما :
وخز الأسنة والخضوع لناقص * أمران عند ذوي النهى مران والرأي أن يختار فيما دونه ال * مران وخز أسنة المران أنه أبدى هذا الاحتمال حيث قال بعد ذكر أن دون بمعنى عند ، ولا مانع من أن تجعل دون من قبيل قولهم هذا دونه : أي أقرب منه كما هو أحد معانيها فيكون أبلغ في إرادة المعنى كما لا يخفى .
( ولقد لحنت لكم لكيما تعرفوا * واللحن يعرفه ذوو الألباب ) في سورة القتال عند قوله تعالى ( ولتعرفنهم في لحن القول ) على القول بأن اللحن أن تلحن في كلامك : أي تجعله على نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية كما في البيت ، وقيل للمخطئ لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب قال :
وحديث ألذه هو مما * ينعت الناعتون يوزن وزنا منطق رائع وتلحن أحيا * نا وخير الكلام ما كان لحنا يريد أنها تتكلم بالشئ وتريد غيره ، وتعرض حديثها فتزيله عن جهته من ذكائها وفطنتها ، وكأن اللحن في العربية راجع إلى هذا لأنه من العدول عن الصواب .
( رفعت عيني بالحجا * ز إلى أناس بالمناقب ) في الحجرات عند قوله تعالى ( لا تعرفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) بالتشديد للمبالغة في قراءة ابن مسعود ; كما أن الباء زيدت في قراءة ابن مسعود في قوله بأصواتكم . والمناقب : أول منزل بمكة ، وليس المراد النهى عن الرفع الشديد وتسويغ ما دونه ، بل المعنى : نهيهم عما كانوا عليه من الجلبة وهى رفع الصوت واستجفاؤهم فيما كانوا يفعلونه . وعن أنس ( أنه لما نزلت هذه الآية فقد ثابت ، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبر بشأنه ، فدعاه فسأله فقال : يا رسول الله لقد أنزلت عليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط ، فقال له رسول الله صلى عليه وسلم : لست هناك ، إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة ) .