المحمّاة بالجحيم . فوصف سبحانه العذاب الغليظ ، لأنه واقع بالأشياء الغليظة ، والآلات الثقيلة ، فيكون ذلك مجازا من هذا الوجه .
ومما يقوّى أن المراد بقوله تعالى : * ( ونَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ ) * عذاب الآخرة ، قوله تعالى : * ( ولَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً والَّذِينَ آمَنُوا مَعَه بِرَحْمَةٍ مِنَّا ) * « 1 » وهذه النجاة من عذاب الدنيا . ثم قال تعالى : * ( ونَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ ) * فدلّ على أن النجاة من العذاب الأول غير النجاة من العذاب الآخر . وأن الأول عذاب الدنيا ، والثاني عذاب الآخرة ، لأن العطف بالواو يقضى بذلك ، وإلَّا كان وجه الكلام : فلما جاء أمرنا نجّينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا من عذاب غليظ ، ولم يكن لقوله تعالى :
* ( وَنَجَّيْناهُمْ ) * ثانيا معنى .
< صفحة فارغة > [ سورة هود ( 11 ) : آية 80 ] < / صفحة فارغة > قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ( 80 ) وقوله سبحانه حاكيا عن لوط عليه السلام : * ( قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) * [ 80 ] وهذه استعارة والمراد بها : لو كنت آوى إلى كثرة من قومي ، وعدد من أهلي . وجعلهم ركنا له ، لأن الإنسان يلجأ إلى قبيلته ، ويستند إلى أعوانه ومنعته ، كما يستند إلى ركن البناء الرصين ، والنضد الأمين « 2 » .
وجاء جواب لو هاهنا محذوفا . والمعنى ، لو أنني على هذه الصفة لحلت بينكم وبين ما هممتم به من الفساد وأردتموه من ذنوب فحشاء . والحذف هاهنا أبلغ ، لأنه يوهم المتوعّد بعظيم الجزاء ، وبغليظ النكال ، ويصرف وهمه إلى ضروب العقاب ، ولا يقف به عند جنس من أجناس المخوفات المتوقعات .

( 1 ) سورة هود . الآية رقم 58 . ( 2 ) النضد من الجبل : ما تراكم منه . والجمع أنضاد .