« يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ » :
ثم إنه تعالى ، بعد أن أخبر عن فعلٍ يصدر من الأبرار ، جاء بهذه الآية لتفيد من خلال كيفية تركيبها ، ومن خلال التعبير بالفعل المضارع « يشرب » الدال على التجدد ، والتوالي : أن هذا الشرب متيسر للأبرار باستمرار ، فهو ليس أمراً عارضاً ، بل هو طريقة حياة ، وقاعدة مطردة . . فلا خوف من الحرمان ، والانقطاع ، ولن يكون ثمة أي إحساس بالفقدان ، ولذلك فلن يكون ثمة تشوق منهم لأمر غير حاضر ولا حاصل . .
وقد أكد ذلك قوله « عَيْنَاً » ، حسبما تقدم ، فانسجم الظهور السياقي ، مع سائر الظهورات ، ومع إيحاء الكلمات . .
العبادية . . والشرب من العين :
ثم قدم سبحانه الدليل والتعليل ، فذكر أن الأبرار إنما يشربون بتلك العين لكونهم عباداً لله تعالى . . فعباديتهم تقتضي أن يكون شربهم من عين لها تلك الميزات والصفات . .
« بِهَا » :
وقد قال سبحانه : * ( يَشْرَبُ بِهَا ) * ، ولم يقل : « يشرب منها » . . مع العلم بأن اختلاف حروف التعدية يشير إلى اختلاف الخصوصية ، فشربه ، وشرب منه ، وشرب به ، وشرب فيه ، كلها تشير إلى خصوصيات تختلف وتتفاوت ، باختلاف حروف التعدية المستخدمة في المورد . .
فلا مجال إذن لقبول قول بعضهم : إن شرب بها ، وشرب منها ، وشربها بمعنى واحد . .
إذ إن شربها يفيد : أنه يشرب ما فيها كله ، أو بعضه . .
ويشرب منها ، معناه : أنه يشرب من مائها . .