الخلق لا يعلمون أنّهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ، ولا يحيطون علما بما يكون في المستقبل على التفصيل .
ولا وجه لقولهم : إنّه قضى بالذنوب على معنى أنّه حكم بها بين العباد ، لأنّ أحكامه تعالى حقّ ، والمعاصي منهم ، ولا لذلك فائدة وهو لغو بالاتّفاق .
فبطل قول من زعم : أنّ اللَّه تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح .
والوجه عندنا في القضاء والقدر - بعد الذي بينّاه في معناه - أنّ اللَّه تعالى في خلقه قضاء وقدرا ، وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما ، ويكون المراد بذلك ، انّه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها ، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له . والقدر منه سبحانه فيما فعله ، إيقاعه منه في حقّه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأنّ ذلك كلَّه واقع موقعه موضوع في مكانه ، لم يقع عبثا ولم يضع [ ولم يصنع ] باطلا .
فإذا فسّر القضاء في أفعال اللَّه تعالى والقدر بما شرحناه ، زالت الشّنعة منه ، وتثبت الحجة به ، ووضح الخلق فيه لذوي العقول ، ولم يلحقه فساد ولا إخلال [1] .
نطق الجوارح وشهادتها إنّ ما تضمّنه القرآن من ذكر ذلك [ كلام الجوارح ونطقها وشهادتها ] إنّما هو على الاستعارة دون الحقيقة ، كما قال اللَّه تعالى : * ( ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) * ، ولم يكن منها نطق على التحقيق ، وهذا مذهب أبي القاسم البلخي وجماعة من أهل العدل ، ويخالف فيه كثير من المعتزلة وساير المشبّهة والمجبّرة [2] .
[ انظر : سورة الأعراف ، آية 172 ، في عالم الذرّ ، من عدّة رسائل : 212 . ]