عظم الأمانة وثقل التكليف بها وشدّته على الإنسان ، وأنّ السماوات والأرض والجبال لو كانت ممّن يعقل لأبت حمل الأمانة لو عرضت عليها ، وقد تكلَّفها الإنسان ولم يؤدّ مع ذلك حقّها .
فصل
فصل ونظير ذلك قوله تعالى : تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْه وتَنْشَقُّ الأَرْضُ وتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا [1] .ومعلوم أنّ السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر من الإيمان ، ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون ، وتفوّه به الضالَّون ، وأقدم عليه المجرمون من الكفر باللَّه تعالى ، وأنّه من عظمه جار مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات والأرض والجبال من الأحمال ، وأنّ الوزر به كذلك ، فكان الكلام في معناه بما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه .
فصل
فصل ومن ذلك قوله تعالى : وإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه الأَنْهارُ وإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْه الْماءُ وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه [2] .ومعلوم أنّ الحجارة جماد ولا تعلم فتخشى أو تحذر أو ترجو أو تأمل ، وإنّما المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية اللَّه وما يجب أن يكون العبد عليه من خشية اللَّه .
وقد بيّن اللَّه تعالى ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه : ولَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِه الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِه الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِه الْمَوْتى بَلْ لِلَّه الأَمْرُ جَمِيعاً [3] .
فبيّن بهذا المثل عن جلالة القرآن وعظيم قدره وعلوّ شأنه ، وأنّه لو كان كلام يكون به ما عدّده ووصفه ، لكان بالقرآن ذلك ، وكان القرآن به أولى لعظم قدره على سائر الكلام وجلالة محلَّه حسبما قدّمناه .