اللَّه عزّ وجلّ إلى أمّ موسى : * ( أَنْ أَرْضِعِيه فَإِذا خِفْتِ عَلَيْه فَأَلْقِيه فِي الْيَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوه إِلَيْكِ وجاعِلُوه مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) * . فعرفت صحّة ذلك بالوحي وعملت عليه ، ولم تكن نبيّا ولا رسولا ولا إماما ، ولكنّها كانت من عباد اللَّه الصالحين . . . [1] .
وأصل الوحي هو الكلام الخفي ، ثمّ قد يطلق على كلّ شيء قصد به إفهام المخاطب على السرّ له عن غيره والتخصيص له به دون من سواه ، وإذا أضيف إلى اللَّه تعالى كان فيما يخصّ به الرسل ( صلَّى اللَّه عليهم ) خاصّة ، دون من سواهم على عرف الإسلام وشريعة النبي صلَّى اللَّه عليه وآله .
قال اللَّه تعالى : * ( وأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيه ) * ، فاتّفق أهل الإسلام على أنّ الوحي كان رؤيا أو كلاما سمعته أمّ موسى في منامها على الاختصاص ، قال اللَّه تعالى :
وأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [2] ، يريد به الإلهام الخفي ، إذ كان خاصّا بمن أفرده به دون من سواه فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهر به المتكلَّم فأسمعه غيره .
وقال تعالى : وإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ [3] ، بمعنى ليوسوسون إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى سماعهم ، فيخصّون بعلمهم دون من سواهم ، وقال سبحانه : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِه مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ [4] ، يريد به أشار إليهم من غير إفصاح الكلام ، شبّه ذلك بالوحي لخفائه عمّن سوى المخاطبين ولسرّه عمّن سواهم .
وقد يري اللَّه سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصحّ تأويله ، ويثبت حقّه [ وتثبت حقيقته ] ، لكنّه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي ، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه اللَّه [ أطلعه اللَّه ] على علم شيء أنّه يوحى إليه .
وعندنا : أنّ اللَّه تعالى يسمع الحجج بعد نبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله ، كلاما يلقيه إليهم في علم ما يكون ،