اللَّه سبحانه دارا لمن عرفه وعبده ، ونعيمها دائم لا انقطاع له ، والساكنون فيها على أضراب :
فمنهم : من أخلص للَّه تعالى ، فذلك الذي يدخلها على أمان من عذاب اللَّه تعالى .
ومنهم : من خلط عمله الصالح بأعماله السيئة ، كأن يسوف فيها [ منها ] التوبة فاخترمته المنية قبل ذلك ، فلحقه خوف من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنّة بعد عفو اللَّه أو عقابه [1] .
ومنهم : من يتفضّل عليه بغير عمل سلف منه في الدنيا ، وهم الولدان المخلَّدون ، الذين جعل اللَّه تعالى تصرفهم لحوائج أهل الجنّة ثوابا للعالمين ، وليس في تصرّفهم مشاقّ عليهم ولا كلفة ، لأنّهم مطبوعون ، إذ ذاك على المسارّ بتصرّفهم في حوائج المؤمنين .
وثواب أهل الجنّة الالتذاذ بالمآكل والمشارب والمناظر والمناكح وما تدركه حواسهم ممّا يطبعون على الميل إليه ، ويدركون مرادهم بالظفر به . وليس في الجنّة من البشر من يلتذّ بغير مأكل ومشرب وما تدركه الحواس من الملذوذات . وقول من يزعم :
أنّ في الجنّة بشرا يلتذّ بالتسبيح والتقديس من دون الأكل والشرب ، قول شاذّ عن دين الإسلام ، وهو مأخوذ من مذهب النصارى ، الذين زعموا أنّ المطيعين في الدنيا يصيرون في الجنّة ملائكة ، لا يطعمون ولا يشربون ولا ينكحون .
وقد أكذب اللَّه سبحانه هذا القول في كتابه بما رغب العاملين [ العالمين ] فيه من الأكل والشرب والنكاح ، فقال تعالى : * ( أُكُلُها دائِمٌ وظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا ) * ، وقال تعالى : فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [2] ، وقال تعالى : حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ [3] ، وقال تعالى : وحُورٌ عِينٌ [4] ، وقال سبحانه : وزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [5] ،