إثبات فضل أبي بكر من آية الغار ومناقشته
إثبات فضل أبي بكر من آية الغار ومناقشتهمسألة أخرى
مسألة أخرى فإن قالوا : أفليس قد آنس اللَّه تعالى نبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله بأبي بكر في خروجه إلى المدينة للهجرة ، وسمّاه صاحبا له في محكم كتابه ، وثانيا لنبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله في سفره ، ومستقرّا معه في الغار لنجاته ، فقال تعالى : * ( إِلَّا تَنْصُرُوه فَقَدْ نَصَرَه اللَّه إِذْ أَخْرَجَه الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِه لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَه عَلَيْه وأَيَّدَه بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وكَلِمَةُ اللَّه هِيَ الْعُلْيا واللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) * ، وهذه فضيلة جليلة يشهد بها القرآن ، فهل تجدون من الحجّة مخرجا ؟جواب : قيل لهم : أمّا خروج أبي بكر مع النبي صلَّى اللَّه عليه وآله ، فغير مدفوع ، وكونه في الغار معه غير مجحود ، واستحقاق اسم الصحبة معروف ، إلَّا أنّه ليس في واحدة منها ، ولا في جميعها ما يظنّون له من الفضل ، فلا تثبت له منقبة في حجّة سمع ولا عقل ، بل قد شهدت الآية التي تلوتموها في ذلك بزلل الرجل ، ودلَّت على نقصه ، وأنبأت عن سوء أفعاله بما نحن موضحون عن وجهه ، إن شاء اللَّه تعالى .
وأمّا ما ادّعيتموه من أنس اللَّه تعالى نبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله ، فهو توهّم منكم ، وظنّ يكشف عن بطلانه الاعتبار ، وذلك أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله مؤيّد بالملائكة المقرّبين الكرام ، والوحي ينزل عليه من اللَّه تعالى حالا بحال ، والسكينة معه في كلّ مكان ، وجبرئيل عليه السّلام آتيه بالقرآن وعصمته ، والتوفيق من اللَّه تعالى والثقة بما وعده من النصر والظفر يرفع عنه الاستيحاش ، فلا حاجة إلى أنيس سوى من ذكرنا ، لا سيّما وبمنقوص عن منزلة الكمال ، خائف وجل ، يحتاج إلى التسكين والرفق والمداراة .
وقد نطق بصفته هذه صريح القرآن ، وأنبأ بمحنة النبي صلَّى اللَّه عليه وآله ، وما عالجه من تدبيره له بالتسكين والتشجيع وتلافى ما فرط منه ، لشدّة جزعه وخوفه وقلقه ، كي لا يظهر منه ما يكون به عظيم الفساد ، حيث يقول سبحانه فيما أخبر به عن نبيّه صلَّى اللَّه عليه وآله : * ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنا ) * .