مع أنّه تعالى لا يفعل الشرّ ، فالوجه فيه على خلاف ما ظنّه ، وهو أنّه عليه السّلام يسأل اللَّه سبحانه أن يفعل بخلقه شرّا ، ولا أن ينصب عليهم شريرا ، لكنه سأله التخلية بين الأشرار من خلقه وبينهم عقوبة لهم وامتحانا .
وسأله أيضا أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدّمت أيديهم ممّا يستحقّون به العذاب المهين . ونظير ذلك في معناه قوله تعالى : * ( وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ) * وقوله : أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [1] وقوله تعالى : وكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها [2] .
ولم يرد بذلك البعثة التي هي بعثة الرسل ولا الأمر بذلك والترغيب فيه ، وإنّما أراد التخلية والتمكين وترك الحيلولة بينهم وبين المذكور ، وهذا بيّن ، واللَّه المحمود [3] .
حديث الذّر وخلق الأرواح وأمّا الحديث في إخراج الذّريّة من صلب آدم عليه السّلام على صورة الذّر ، فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه ومعانيه .
والصحيح أنّه أخرج الذريّة من ظهره كالذّر ، فملأ بهم الأفق وجعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، وعلى بعضهم نورا وظلمة ، فلمّا رآهم آدم عليه السّلام عجب من كثرتهم ومن عليهم من النور والظلمة .
فقال : يا رب ما هؤلاء ؟ فقال اللَّه عزّ وجلّ : ( هؤلاء ذريتك ) يريد تعريفه كثرتهم وامتلأ الآفاق بهم ، وأنّ نسله يكون في الكثرة كالذّر الذي رآه ليعرّفه قدرته ويبشّره بإفضال