ثم لم يزل القرآن تنزل من عالم إلى عالم ومن رتبة إلى رتبة ، ويتجلى بصورة بعد صورة ويتجوهر بحلية بعد حلية في السلسلة الطولية إلى أن اكتسى في عالم الأصوات والألفاظ صور الحروف والكلمات ، وفي عالم النقوش صور الرقوم الجزئية المتعينة ، وقد سمعت فيما مرّ من الأخبار أنّه يتجلَّى في يوم القيمة في صورة شابّ حسن الخلق والخلق ، ينسبه كلّ من المؤمنين والشهداء والأنبياء والملائكة منهم ، بل من أفضلهم وأعلمهم ، وإطلاقه على كلّ من تلك الصور في جميع العوالم حقيقة لاتحاد الحقيقة ، فحدوثه في كل عالم من العوالم إنّما هو باعتبار ذلك العالم ، فهو من جهة أنه نور حادث في عالم الأنوار ، ومن جهة أنه رحمة حادث في عالم الأرواح ، ومن جهة أنه معنى حادث في عالم المعاني ، ومن جهة أنّه ملفوظ حادث في عالم الألفاظ ، ومن جهة أنّه منقوش حادث في عالم النقوش ، بل جميع تلك العوالم كلَّها كغيرها من العوالم الإمكانية والكونية المجردة أو المادية حادثة مسبوقة بالعدم على أنّك قد سمعت غير مرّة أنّ محض التوحيد يأبى إثبات الصفات المغايرة الذاتية فضلا عن الفعلية فضلا ، عمّا هو في صقع المفعول كالقرآن ، فإنه هو الحاصل من بعض شؤون المشيّة وتجلياتها في رتبة المفعول .
ولذا تظافرت الشواهد من الكتاب والسنّة على حدوثه كقوله تعالى في سورة طه : * ( وكَذلِكَ أَنْزَلْناه قُرْآناً عَرَبِيًّا وصَرَّفْنا فِيه مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) * « 1 » ، وفي سورة الأنبياء : * ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوه وهُمْ يَلْعَبُونَ ) * « 2 » ، وفي سورة الشعراء : * ( وما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا