فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره ، وأمره كلامه ، وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته فخلق آدم على صورته .
وقال الغزالي : الكلام على ضربين .
أحدهما مطلق في حق الباري .
والثاني في حق الآدميين أما الكلام الذي ينسب إلى الباري تعالى فهو صفة من صفات الربوبية فلا تشابه بين صفات الباري تعالى وبين صفات الآدميين فإنّ صفات الآدميين زائدة على ذواتهم لتكثر وحدتهم وتقّوم انيّتهم بتلك الصفات وتعيّن حدودهم ورسومهم بها وصفة الباري لاتّحد ذاته ولا ترسمه فليست إذا أشياء زائدة على العلم الذي هو حقيقة هويته تعالى ومن أراد أن يعد صفات الباري أخطأ ، فالواجب على العاقل أن يتأمّل ويعلم أنّ صفات الباري لا يتعدّد ولا يتفضل بعضها عن بعض إلَّا في مراتب العبارات وموارد الإشارات فإذا أضيف علمه إلى استماع دعوة المضطرين يقال سميع ، وإذا أضيف علمه إلى رؤيته ضمير الخلق يقال بصير ، وإذا أفاض من مكنونات علمه على قلب أحد من الناس من أسرار الإلهيّة ودقايق جبروت ربوبيّة يقال متكلَّم ، فليس بعضه آلة السمع ، وبعضه آلة البصر ، فأذن كلام الباري ليس شيئا سوى إفادته مكنونات علمه من يريد إكرامه ، كما قال تعالى : * ( ولَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وكَلَّمَه رَبُّه ) * فشرّفه اللَّه بقربه ، وقرّبه بقدسه ، وأجلسه على بساط أنسه وشافهه بأجلّ صفاته ، وكلَّمه بعلم ذاته كما شاء ، تكلَّم وكما أراد سمع انتهى .
قلت : وهو وإن أجاد في عدم إثبات قديم غير العلم الذي هو عين ذاته سبحانه إلَّا أن تسمية العلم الذاتي كلاما أو تكلَّما مما لا يساعده اللَّغة ولا العرف ولا الشرع كما لا يساعد شيء منها تسمية إفادة مكنونات علمه به .