وفي رسالته في إثبات الواجب وصفاته قال في الثانية بعد تمهيد أنّ صفه التكلم فينا عبارة عن قوّة تأليف الكلام ، وإنّ كلامنا عبارة عن الكلمات التي هو مؤلَّفة لنا في الخيال : إنّ صفة التكلم القائم بذات اللَّه تعالى صفة هي مصدر تأليف الكلمات وكلامه تعالى هي الكلمات التي هي متوجه إلى مخاطب مقدّر ، وامتيازه عن العلم ظاهر ، فإنّ كلام غيره تعالى معلوم له تعالى ، وليس كلامه ، كما أنّ كلام غيرنا معلوم لنا وليس كلامنا ، وهذا الذي ذكرناه ليس ما ذهب إليه الحكماء من أنّ كلامه تعالى علمه ولا مذهب الحنابلة ومن يحذو حذوهم من أنّ كلامه الأصوات والحروف أو ما يشمل الأصوات والحروف والمعاني ولا ما هو المشهور عن الأشعري من أن كلامه تعالى المعنى المقابل للفظ ، بل تحقيق وتنقيح لمذهب الأشعري كما يظهر بالتأمل الصادق ، ولما كان علمه تعالى واحدا محيطا بجميع المعلومات كان كلامه أيضا واحدا مشتملا على أقسامه من الكتب والصحف باللغات المختلفة والإخبارات والإنشائات ، ولمّا كان كلامه أزليا كان الخطاب فيه متوجّها إلى المخاطب المقدّر إذ لا يخاطب موجود في الأزل فيكون المضي والحضور والاستقبال فيه بالنسبة إلى الزمان المقدّر للمخاطب فلا إشكال في ورود بعضها بصفة المضي ، وبعضها بصفة الحال ، وبعضها بصفة الاستقبال .