منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة كمن هو في الضلالة متردد لا يهتدي لرشد ولا يعرف حقا من باطل ولا يطلب بعمله إلا الحياة الدنيا وزينتها . وذلك نظير قوله أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة به قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) انتهى . وهكذا فرض هذا المفسر ( المنصف ) أن معنى يتلوه : يقرؤه لا غير ، ثم حاكم التفاسير الأخرى على أساسه حتى تلك التي تقول إن معنى ( يتلوه ) يأتي بعده ! وهذا في اصطلاح المنطق مصادرة ، وبتعبير عصرنا : إرهاب فكري ، وإلغاء للآراء الأخرى ! ! أما الفخر الرازي فقال في تفسيره جزء 17 ص 200 - 202 ( واعلم أن أول هذه الآية مشتمل على ألفاظ أربعة كل واحد مجمل . فالأول : أن هذا الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه من هو . والثاني : أنه ما المراد بهذه البينة . والثالث : أن المراد بقوله ( يتلوه ) القرآن أو كونه حاصلا عقيب غيره . والرابع : أن هذا الشاهد ما هو ؟ فهذه الألفاظ الأربعة مجملة ، فلهذا كثر اختلاف المفسرين في هذه الآية . ( أما الأول ) وهو أن هذا الذي وصفه الله تعالى بأنه على بينة من ربه من هو ؟ فقيل : المراد به النبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل : المراد به من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره ، وهو الأظهر لقوله تعالى في آخر الآية أولئك يؤمنون به وهذا صيغة جمع ، فلا يجوز رجوعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالبينة هو البيان والبرهان الذي عرف به صحة الدين الحق والضمير في ( يتلوه ) يرجع إلى معنى البينة ، وهو البيان والبرهان والمراد بالشاهد هو القرآن ، ومنه أي من الله ، ومن قبله كتاب موسى ، أي ويتلو ذلك البرهان من قبل مجئ القرآن كتاب موسى . واعلم أن كون كتاب موسى تابعا للقرآن ليس في الوجود بل في دلالته على هذا المطلوب و ( إماما ) نصب على الحال ، فالحاصل أنه يقول اجتمع في تقرير صحة هذا الدين أمور ثلاثة : أولها دلالة البينات العقلية على صحته . وثانيها شهادة القرآن بصحته . وثالثها شهادة التوراة بصحته ، فعند اجتماع هذه الثلاثة لا يبقى في صحته شك ولا ارتياب ، فهذا القول أحسن الأقاويل في هذه الآية وأقربها إلى مطابقة اللفظ . وفيها أقوال أخر .