الشرعية التي يختص بها الفقيه - إضافة إلى القضاء والفتوى - المرجعية في " الحوادث الواقعة " ، وهو ما عبر عنها بالعناصر المتحركة في التشريع . أو بمعنى آخر : القضايا الاجتهادية التي تحتاج إلى جهد وتفريغ سعة في البحث ومنها - بالتأكيد - إدارة شؤون المجتمع الاسلامي عن طريق مؤسسات الدولة الاسلامية . اما الشورى فهي شأن من شؤون أهل الاختصاص في المعارف الأخرى غير المعارف الدينية . فتخطيط الشوارع ، وتنظيم المرور ، وتصميم المدن ، وتنظيم الجهاز الصحي والتعليمي والدفاعي للدولة مثلاً ليست من اختصاصات الفقيه المباشرة ، بل للفقيه تعيين أهل الاختصاص في ذلك . وإنما تنحصر مهمته في الاشراف على مؤسسات الدولة ككل ، والتأكيد من التزامها بالمنهج الاسلامي . وكانت الشورى التي مارسها الرسول ( ص ) تجسد عمق هذا الاتجاه ، فهو وإن شاورهم في حفر الخندق ، والخروج من المدينة إلى أحد ، والمسير إلى آبار بدر ، الا انه ( ص ) لم يشاورهم قط بخصوص الاحكام الشرعية أصالة أو نيابة . وكذلك فعل أمير المؤمنين ( ع ) فشاورهم قبل خروجه إلى معركة صفين ، ولكنه لم يستشرهم في شيء من الاحكام الشرعية . بمعنى ان الولاية قضية حكمية شرعية ، والاستشارة قضية موضوعية .
وقوله تعالى : ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) [1] ، لا تعني ان سلطة الرسول ( ص ) الشرعية مقيدة برأي الأمة ، لأن المولى عز وجل لم يوجب عليه - بصفته الرسالية - الأخذ بما يشار عليه من صحابته