كان يتصرف بنفوس الناس ورقابهم تصرف المحيي والمميت ، فيقطع رقاب بعض ويستحيي رقاب آخرين ، حتى يبقي الملك عضوضاً تحت رحمة نواجذه : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ، إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت . . . ) [1] . فلم يكن جدال هؤلاء الطواغيت في حقيقة وجود الله ، بل كان في حقيقة من بيده الملك ، وقطع الرقاب ، والموت والحياة . ولذلك كانت مهمة الأنبياء ( ع ) - وبالخصوص نبينا وقائدنا محمد ( ص ) - شاقة وعسيرة ، لأن هدفهم كان فك الاغلال التي وضعها المستكبرون ، وقيدوا بها الفقراء والمستضعفين ، فدور الرسول ( ص ) كان أن يضع عن المستضعفين : ( . . . إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) [2] . ونظرة إلى تاريخ فحول قريش واشراف مكة في عهد الجاهلية يغنينا عن الاسهاب ؛ فانبثاق الرسالة الاسلامية كان أكبر تحدٍ لنظامهم الاجتماعي والسياسي الفاسد .
وهذا هو السبب الذي أدى إلى محاربة الدين الجديد والرسالة الفتية بكل عنف وضراوة .
فقد كان رسول الله ( ص ) يدير الدولة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، ويتولى شؤون الحكم وتدبير أمور الرعية ، فكان يبعث الجباة لجمع الحقوق الشرعية ، وكان يولي القضاة أمور القضاء ، وكان يجهز الجيوش للدفاع عن الدولة الفتية ونظامها الاسلامي . وكان ( ص ) إذا خرج من المدينة لغزوة من الغزوات أو حملة من الحملات العسكرية أناب عنه من يتولى أمور المسلمين في عاصمته . ففي غزوة الأبواء استعمل سعد بن عبادة