ولعل نضوج الفكرة الشرعية لولاية الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة يعتبر من أعظم الأدلة على ضرورة إقامة الدولة الاسلامية وإدارة شؤون الافراد على ضوء النظرية الفقهية . فيثبت عن ولاية الفقيه الشرعية للمجتهد : الافتاء ، والقضاء ، والجهاد ، والتصرف في أموال الناس وأنفسهم ، وكل فعل لا بد من ايقاعه للأدلة اللبية والشرعية كعزل الأوصياء والتصرف في الأوقاف العامة ونحوها ، وهو يعكس بشكل صريح أساس الحكومة في النظام الاجتماعي .
ولا شك ان وجود الدولة يعتبر عنصراً أساسياً في تحقيق العدالة الاجتماعية التي نادى بها الاسلام ؛ فهي التي تشرف على توزيع الخيرات ، وهي التي تخطط لمستقبل البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وهي التي تقيم علاقاتها مع الدول الأخرى حتى يتحقق العدل الاجتماعي في جميع أقطار الأرض .
وبطبيعة الحال ، فان العقد الاجتماعي بين الفرد والدولة الذي جاء به ( توماس هوبس ) وطوره ( جان - جاك روسو ) يرفضه الاسلام باعتبار ان امتثال المكلف لطاعة الرسل ( ع ) وللأنظمة الاجتماعية التي يقيمونها لا يمكن وصفه بالعقدية لانتفاء صفة العقد عنه . ويرفض الاسلام - أيضاً - فلسفة ( الدولة ) في النظريتين ( التوفيقية ) و ( الصراع الاجتماعي ) ، باعتبار ان العدالة الاجتماعية - حسب النظرية الاسلامية - يجب أن تكون الأصل في انشاء تلك الدولة وليس الصراع الاجتماعي المزعوم .
وعلى صعيد النظام القضائي ، فان القضاء في النظرية القرآنية هو ميزان الحق ، ووسيلة رادعة وفعالة من وسائل حفظ النظام الاجتماعي ؛ لان منصة القضاء لا تمنح الا للعارف باحكام الله ، المجتهد العادل الأمين الثقة الذي يستطيع استرجاع الحق المغصوب من الظالم ، أو انزال القصاص العادل بالجاني ، أو اجبار المعتدي على تعويض الضحية مالياً .
ولا شك ان الاسلام يرفض أفكار ( أميلي ديركهايم ) الزاعمة بان الجريمة ضرورية لتماسك المجتمعات الانسانية بدعوى أنها تعرف حدود السلوك المقبول ، لان الشريعة هي التي حددت أبعاد السلوك المقبول ولم تتركه لتصورات العرف الاجتماعي . ويرفض - أيضاً - حكم هيئة المحلفين باعتبار ان الحاكم الشرعي يجب أن يكون مجتهداً ، والا فما قيمة الجاهل باحكام القضاء حتى لو اقسم اليمين المغلظة على كونه عادلاً ، وأصبح عضواً في هيئة المحلفين .
ونستنبط - عبر دراسة الإطار الشامل للمؤسسات الاجتماعي على ضوء هدى القرآن المجيد - ان لهذا الكتاب السماوي العظيم دوراً عظيماً في انشاء نظرية اجتماعية إلهية هي النظرية الاجتماعية القرآنية التي تتفوق - اليوم وفي كل وقت - على كل النظريات الاجتماعية على وجه الأرض .