مثلما يسلي الانسان المؤمن وقت المحن بتذكيره بأن الموت انما هو انتقال لعالم لا عناء فيه ولا شقاء : ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [1] ، ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ) [2] ، فإنه في الوقت ذاته يعرف الفرد بنفسه مثلما يعرفه بخالقه العظيم . وأول اكتشاف يكتشفه الانسان عن طريق القرآن ، هو ان للنفس الانسانية قابلية عظيمة على تنمية الخير أو انشاء الشر ، واستعداداً عظيماً لعمل الطيبات والحسنات أو لفعل السيئات والخبائث : ( ونفسٍ وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها ) [3] ؛ وما على المكلف الا سلوك الطريق الذي رسمه له القرآن . فالقرآن اذن يمنح الانسان المؤمن بالتوحيد فهماً دقيقاً لمعنى وجوده في الحياة ويعطيه فهماً لأسباب التعاون الاجتماعي ، ويقدم له قاعدة فكرية تعلن ان وجوده في الأصل منبثق عن مبدأً الكمال المطلق ، وان حياته الدنيوية بما فيها من اجتماع انساني ونظام يهذب علاقات الافراد انما هي إعداد لمرحلة أخرى ينتفي فيها العناء والشقاء ويتحقق التلبس بالسعادة الأبدية .
إن هذا الكتاب مجرد محاولة ابتدائية لاكتشاف النظرية الاجتماعية الاسلامية عبر محاكاة كتاب الله الخالد ، والانصات لتعاليمه الإلهية العظيمة في شؤون الاجتماع الانساني وتنظيم شؤون الافراد ومصالحهم . وهذا البحث هو زبدة أبحاث كتابنا ( المجتمع الاسلامي ) والتي حالت بعض