فالخطأ فيها مركّبٌ من جهتين : من جهةٍ أولى أنّها خاطئة بنفسها ، ومن جهة أخرى أنّها وُضعت استثناءً لقاعدةٍ مخطوءة .
إنَّ ضخامة هذا التراث وقوّته إنَّمَا هي لارتباطه بأقدس شيء وهو القرآن . وقد حلّ هذا التراث الضخم محلَّ القرآن بالتدريج ، وأصبح النحو مع جملة التراث سدّاً منيعاً يحولُ بين الناس وبين القرآن لا يمكنهم عبوره ! وأصبحت الهواجس الداخلية للكثير من شباب الأمة ( وهو ما أفصح عنه بعضهم جهاراً بعد اطلاعه على الخطوط العريضة لهذا المنهج ) تفضّل العافية والسلامة على اقتحام هذا الحاجز المنيع ، والذي لا يعني عبوره شيئاً جديداً . فالإشكالات والتساؤلات والتناقضات هي نفسها يشعر بها الفقيه المجتهد الذي نيف على السبعين والشاب المثقّف ابن الثلاثين على حدٍّ سواءٍ . والفارق أنَّ الشابّ يصرّحُ أحياناً ويُفصح ويسأل ، والشيخ يحاول الإجابة على البعض ويكتم ويصبر على البعض الآخر .
إن خروج شباب الأمة إلى ميادين ( الحداثة ) والفكر الغربي الجديد ليس هو تمرّداً عليها وعلى تراثها ولا هو تحدّياً للقرآن وخروجاً عليه ولا هو استكباراً على الفقهاء والمجتهدين . . وإنَّما كان هو هرباً من المجهول بحثاً عن المعلوم ، وفراراً من الصعب الغامض ، ورغبةً في السهل الواضح ، وخلاصاً ممّا يرونه غير نافعٍ إلى ما يرونه نافعاً . . ولم يبق شيء عندهم يربطهم بهذا التراث الضخم سوى اللغة نفسها التي تحدّوا فيها علماء الأمة وأساطين نحوِها ، واستخدموها ( بنيويّاً ) تارةً ، و ( تفكيكاً ) تارةً أخرى ، ووضعوا شعرهم حُراً ونثراً لم يتمرّدوا فيه على القافية وحدها ، بل وعلى كلّ ما يُشعَرُ منه أنهم اقتفوا فيه أثراً من الآثار . لقد جاءت نصوصهم كما لو كانت هي تعبيراً تمثيلياً مجسّداً لرجلٍ لم يجد طريقةً للانتقام من حبيبه الذي عذّبه طويلاً سوى القيام بتكسير تمثاله العزيز على مرأىً من عينيه . فهي قصائد نُضِّدَت فيها المفردات ( العزيزة ) على قلب الشاعر كما يُنَضِّد الطفل قطَعَهُ الغاليةَ بصورةٍ عشوائيةٍ ويضعها في كيس . . فلتتركّب كيف تشاء ، ولتكون جملاً كما يحلو لها ذات معنى أو بلا مغزى ، فقد تهرّأت عقولنا من ذلك النَّظمُ الفلسفي والشعري والفقهي الذي صار يجسّد صنميةً جديدةً في الدِّين والفلسفة والأدب .