الثاني : التوقّف عن القواعد التي هي من خارج القرآن .
ومن يدري فلعلّ القواعد التي من القرآن لا تحتاج إلى ألف بيتٍ من الشعر لنظمها ، وألف مجلّدٍ لشرحها ، ولعلّها أنَّ تكون منظّمةً في عشر آياتٍ ، أو موجودةً في سورةٍ من خمس آياتٍ ؟ !
وإذا كان كلام الله يحمل في ذاته قواعده النحوية ، فإنَّ إثبات ذلك هو أيسر الأشياء منطقياً وعملياً . فمنطقياً يكون الأمر واضحاً لأنَّ كلام الله مثل خلق الله :
* ( مَا تَرى في خَلقِ الرَحمَن من تَفاوِتٍ ) * ( الملك 3 ) فليس ذلك بيتُ شعرٍ يستشهد به أهل البصرة ويرويه أهل الكوفة بروايةٍ أخرى ، وتنشب المعركة بينهم كلٌّ يقول دَلَّستَ في الرواية !
وليس هو من مثل ( المسألة الزنبورية ) يستشهد بها أهل الكوفة ، فيردُّ عليهم أهل البصرة ( أنْ لا حجّة لكم بذلك لأنَّ أكياس الرشاوى التي أنفقها الكسائي والبرمكي لِحَكَمِ المسألة هذه خرجت من الباب الآخر ) . ( الإنصاف في مسائل الخلاف / المسألة الزنبورية ) .
فكلام الله هو الذي وصف نفسه بالقول :
* ( كِتَابٌ أحكِمَت آيَاتُهُ ثمَّ فُصِّلَت مِن لَدُنِّ حَكيمٍ خَبير ) * ( هود 1 ) وهل بعد الإحكام والتفصيل من الحكيم الخبير شكٌّ في وضع قواعد صحيحة وهو الذي يقول * ( بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبين ) * الشعراء 195 ؟ ، فهل في ذلك اللسان المبين سوى الحقِّ واليقين ؟ وهو تعالى الذي يقول :
* ( قُلْ لَئِن اجتَمَعَت الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أنْ يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرا ) * ( الإسراء 88 ) وإن كان تعالى قد صدق في ما يقول ، وهو الحقّ ، فلا نظنُّ أنَّ أحداً يزعم أنَّ النابغة وامرئ القيس والشنفرى ليسوا من الجنّ ولا من الإنس ! ولذلك فإنَّ كلامهم ليس حجّةً لوضع قواعد أصحّ من تلك التي توضع من القرآن .
وقد يُقال : أنَّ القرآن لم يستوعب جميع أنواع الجُمل والصياغات والتراكيب ، فهناك الكثير من أنواع التراكيب الصحيحة لم تَرِدْ في القرآن .
والجواب هو في إيضاح شيئين :
الأول : الخطأ في هذا الاعتراض هو في قوله ( تراكيب صحيحة ) . فإذا كان يحكم عليها