فالناقة هي الآية والآية هي الناقة فلماذا التقدير ؟
والأنكى من ذلك ادّعائه بأن التقدير هو لكي لا يحسب السامع أنَّ الناقة مُبصرة وليست عمياء ! . . كأنَّ ( المبصرة ) لا بدَّ أنَّ تكون نقيضاً ل ( العمياء ) ، بينما الإبصار شيءٌ والنظرُ شيءٌ آخر . فالإبصارُ هو القدرة على الكشف ومركزه العقل ، والعُمى للقلوب ومركزه القلب ، والنظر للرؤيا ومركزه العين والدماغ .
ولذلك قال في صفة الأنبياء ( ع ) :
* ( أُولي الأيدي والإبصَار ) * ( ص 45 ) وقال تعالى : * ( فإنَّهَا لا تَعمَى الأبصَارُ وِلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتي في الصُّدور ) * ( الحجّ 46 ) والمُبصِر هو الكاشف ، قال تعالى :
* ( والنَهَارَ مُبصِراً ) * ( يونس 67 ) ، ( النمل 86 ) ، ( غافر 61 ) وفي هذه الآية الأخيرة قال المفسِّرون شيئاً آخر ، إذ زعموا أنَّ ( مبصِراً ) معناه مضيئاً . . في حين أنَّه كاشفٌ عن حقيقة الأشياء . فالناقة كاشفةٌ لحقيقتهم وقد فعلت لأنَّها فتنةٌ ، والفتنةُ تكشف حقيقة الخلق ، قال تعالى :
* ( إنَّا مُرسِلو النَاقةَ فِتنَةً لَهُم فارتَقِبهُم واصطَبِر ) * ( القمر 27 ) إذن فهي الآية وهي المبصرة فلا تقديرَ ولا حذفَ .
وفوق ذلك كلّه كانت لديهم قراءات أخرى لهذا اللفظ أحدها ( مبصَّرة ) بتشديد وفتح الصاد ، أي ( مبيَّنة ) على حدّ قولهم . ومعلومٌ أنَّه لا يحدث الالتباس المزعوم وفقاً لهذه القراءة ولو على اصطلاحاتهم .
والقراءة الأخرى هي ( مبصِّرة ) بالتشديد والكسر ، أي ( موضِّحة ) على ما يقولون ، وهي لفظةٌ بعيدةٌ عمّا يصيب العيون من ( عمى ) .
المورد الثالث قوله تعالى : * ( ثَقُلَت في السمَاوات والأرضِ ) * ( الأعراف 187 ) قالوا : ( ثَقُلَت بمعنى خَفيت على ( أهل ) السماوات والأرض . والشيء إذا خفيَّ ثَقُلَ فأبدَلَ اللفظ به وأُقيمَ مقام ( على ) في المقدّر المحذوف ( على أهل ) ، ثمَّ أضمرَ الأهل ثمَّ حذفه وأقامَ المُضافَ بدلاً عنه ) - انظر إحياء علوم الدِّين ج 1 ص 259 ، وكذلك التفاسير المطولة ) .
ما شاء الله ! ! أيّة عمليات معقّدة جداً أُجريَت فأنتجت هذا التركيب من الآية ؟ . . فكانت النتيجة أن ( خفيت على أهل = ثَقُلت في ) ، وهي معادلةٌ لغويةٌ