فصل : قوله « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ » الاية : 198 .
الجناح هو : الحرج في الدين ، وهو الميل عن الطريق المستقيم .
وقوله « فَإِذا أَفَضْتُمْ » يعني : دفعتم من عرفة الى مزدلفة عن اجتماع ، كفيض الإناء عن امتلائه ، تقول : فاض الماء يفيض فيضا : إذا انصب عن امتلاء .
والمشعر هو معلم المتعبد ، والمشعر الحرام هو المزدلفة ، وهو جمع بلا خلاف ، وسميت عرفات عرفات لان ابراهيم عليه السّلام عرفها بما تقدم له من النعت لها والوصف ، على ما روي عن علي عليه السّلام وابن عباس ، وقال عطاء والسدي : وقد روي ذلك في أخبارنا انها سميت بذلك ، لان آدم وحواء اجتمعا فيه ، فتعارفا بعد أن كانا افترقا .
فصل : قوله « ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ » الاية : 199 .
قيل : في هذه الاية قولان :
أحدهما : قال ابن عباس وعائشة وعطاء ومجاهد والحسن وقتادة والسدي والربيع ، وهو المروي عن أبي جعفر : انه أمر لقريش وحلفائهم ، لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفة ولا يفيضون منها ، ويقولون : نحن أهل حرم اللَّه لا نخرج عنه ، فكانوا يقفون بجمع ويفيضون منه دون عرفة ، فأمرهم اللَّه أن يفيضوا من عرفة بعد الوقوف بها .
والثاني : قال الضحاك والجبائي وحكاه المبرد لكنه اختار الاول : انه خطاب لجميع الحاج أن يفيضوا من حيث أفاض ابراهيم عليه السّلام من مزدلفة ، والاول اجماع . وهذا شاذ ، وليس لاحد أن يقول على الوجه الاخر : كيف يقال لإبراهيم وحده الناس ؟ وذلك أن هذا جائز ، كما قال « الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ » « 1 » وانما كان