فان قيل : كيف يموه عليهما أن الاكل من الشجرة يوجب الانقلاب من الصورة البشرية الى صورة الملائكة ، أو يوجب الخلود في الجنة .
قلنا : عن ذلك جوابان : أحدهما - أنه أوهم أن ذلك في حكم اللَّه لكل من أكل من تلك الشجرة .
الثاني : أنه أراد الا أن تكونا بمنزلة الملائكة في علو المنزلة .
واستدل جماعة المعتزلة بهذه الاية على أن الملائكة أفضل من البشر والأنبياء منهم . وهذا ليس بشيء ، لأنه لم يجر هاهنا ذكر لكثرة الثواب وأن الملائكة أكثر ثوابا من البشر ، بل كان قصد إبليس أن يقول لآدم : ما نهاك اللَّه عن أكل الشجرة الا تكونا ملكين ، فان كنتما ملكين فقد نهاكما ، وحيث لستما من الملائكة فما نهاكما اللَّه عن أكلها .
وتلخيص الكلام أن المنهي من أكل الشجرة هم الملائكة فقط ، ومن ليس منهم فليس بمنهي ولا تعلق لذلك بكثرة الثواب ولا بقلته .
فصل : « فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ » الاية : 22 .
الغرور : اظهار النصح مع ابطان الغش .
وقوله « بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما » أي : ظهرت عوراتهما ، ولم يكن ذلك على وجه العقوبة ، لان الأنبياء لا يستحقون العقوبة ، وانما كان ذلك لتغير المصلحة ، لأنهما لما تناولا من الشجرة اقتضت المصلحة إخراجهما من الجنة ونزعهما لباسهما الذي كان عليهما واهباطهما الى الأرض .
وقوله « وطَفِقا » قال ابن عباس : معنى طفق جعل يفعل ، ومثله قولهم ظل يفعل وأخذ يفعل .
وقوله « يخصفان » معناه : يقطفان من ورق الجنة ليستترا به ، ويحوزان بعضه الى بعض ، ومنه المخصف المثقب الذي يخصف به النعل ، والخصاف الذي