انما لم يقل أنتم خير أمة لاحد أمور :
أحدها : قال الحسن : ان ذلك لما قد كان في الكتب المتقدمة ما يسمع من الخير في هذه الامة من جهة البشارة . وقال الحسن : نحن أخيرها وأكرمها على اللَّه ولذلك روي عن النبي عليه السّلام أنه قال : أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه . فهو موافق لمعنى أنتم خير أمة ، الا أنه ذكر « كنتم » لتقدم البشارة به ، ويكون التقدير : كنتم خير أمة في الكتب الماضية ، فحققوا ذلك بالافعال الجميلة .
الثاني : أن كان زائدة ودخولها وخروجها بمعنى الا أن فيها تأكيد الامر لا محالة .
فصل : قوله « ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّه ويَقْتُلُونَ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ » الاية : 112 .
فان قيل : كيف جاز عقابهم على ما لم يفعلوه من قتل الأنبياء ، وانما فعله أسلافهم دونهم ؟
قلنا : عنه جوابان ، أحدهما : أنهم عوقبوا على رضاهم بذلك ، وأجرى عليهم صفة القتل ، لعظم الجرم في رضاهم به ، فكأنهم فعلوه على نحو « يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ » .
والثاني : أن تكون الصفة تعم الجميع فيدخلوا في الجملة ، ويجري عليهم الوصف على التغليب ، كما يغلب المذكر على المؤنث إذا اجتمعا ، فكذلك غلب القاتل على الراضي .
وقوله « ويَقْتُلُونَ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ » لا يدل على أن قتلهم يكون بحق ، وانما المراد أن قتلهم لا يكون الا بغير حق ، كما قال « ومَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّه إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَه بِه » « 1 » والمراد أن ذلك لا يكون الا لغير برهان ، وكقول امرئ القيس :
على لا حب لا يهتدى بمناره « 2 »