4 - أن لا يتلقى معلوماته من الحس ، أو التجربة ، أو القوة العقلية ، بل يتلقاها مباشرة وبلا واسطة . وذلك بعد جهاد النفس لتنقيتها من الشوائب كما يقول المتصوفة . . وبكلمة أوضح ان القلب عند المتصوفة تماما كالعقل عند غيرهم فكما ان العقل يدرك بعض الأشياء بالبديهة ، ومن غير نظر ، والبعض يدركه بالاجتهاد والنظر كذلك القلب ، فإنه يشعر بأشياء من غير حاجة إلى جهاد النفس ، كشعوره بالحب والبغض والبعض يشعر به بعد جهاد النفس ، كوجود الباري وصفاته ، فالاجتهاد العقلي عندنا يقابله جهاد النفس عند المتصوفة .
ولا أحد يستطيع أن يناقش الصوفي في آرائه ومعتقداته ، لأنك إذا سألته عن الدليل يجيبك بأن ايماني وعلمي ينبع من ذاتي وحدها . . وإذا قلت له :
ولما ذا لا ينبع هذا الإيمان ، وهذا العلم من ذوات الناس ، كل الناس ؟ يقول :
لأنهم لم يمروا بالتجربة الروحية التي مررت بها .
ونحن نقف من هذا التصوف موقف المحايد المتحفظ ، فلا نثبته ، لبعده عما عرفنا وألفنا ، ولا ننفيه ، لأن المئات من العلماء في كل عصر ، حتى في عصرنا هذا يؤمنون بالتصوف على تفوقهم ، واختلافهم في الجنس والدين والوطن واللغة ، وليست لدينا أية حجة تنفي التجارب الشخصية البحتة ، ومن الجائز أن تكون تجربة الصوفي أشبه شيء باللحظات التي يلهم فيها الشاعر والفنان ، ولكن هذا شيء يعنيه وحده ، ولا حجة له فيه على غيره ، حيث لا ضابط له ، ولا رابط .
الغيب :
وهناك أشياء لا وسيلة إلى معرفتها بالحس والتجربة والقوة العقلية ، منها :
اللوح المحفوظ والملائكة ، وإبليس ، وحساب القبر ، والجنة والنار . ومنها :
انقلاب العصا حية ، واحياء الموتى ، وما إلى ذلك مما أخبر به النبي ، ولا يستقل العقل بادراكه ، ولم نره نحن بالعين ، كل ذلك هو المقصود بالغيب في قوله تعالى : « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » . فالغيب هو الذي لا يمكن التوصل إلى معرفته الا بالوحي من السماء على لسان من ثبتت نبوته وصدقه بالعقل : « وعِنْدَهُ مَفاتِحُ