المقدار الخاص ، كل أولئك تهيئ للإنسان أسباب الحياة على الأرض ، ولو فقد وصف واحد من هذه الأوصاف ، كما لو كانت الأرض مسطحة ، أو أصغر ، أو أكبر ، أو أبعد أو أقرب إلى الشمس ، أو فقد الغلاف لاستحال أن يكون الإنسان ابن الأرض بشهادة العلماء ، وليس من المعقول ان هذا النظام العجيب مجرد مصادفة . . بل بحكمة حكيم ، وتدبير مدبر .
وجود اللَّه :
ذكرنا عند تفسير الآية 21 - 22 من هذه السورة الأدلة على وجود المدبر الحكيم ، ومن هذه الأدلة الدليل المعروف بالدليل الغائي ، وان النظام الدقيق المحكم بين الاجرام السماوية والعوالم الأرضية لا يمكن أن يكون وليد الصدفة ، ولا تفسير مقنع له إلا وجود قادر حكيم . وقد اعتمد القرآن هذا الدليل ، وأشار إليه في العديد من الآيات ، منها هذه الآية . وبمناسبتها نعود إلى الاستدلال على وجود اللَّه ، ولكن بأسلوب غير الأسلوب الذي اتبعناه عند تفسير الآية 21 ، وقبل كل شيء نمهد بما يلي :
ان الماديين يحصرون سبب العلم والمعرفة بالمشاهدة والتجربة ، فكل ما تؤمن به عن طريق التجربة فهو علم ، وكل ما تعتقده عن غير هذا الطريق فلا يسمونه علما ، ويسمونه عقيدة . . فالعلم والاعتقاد في اصطلاحهم مختلفان في مصدرهما ، ومتى استعان المرء بالتأمل والتجربة على صحة ما يعتقد يصبح المعتقد علما .
وعلى أساسهم هذا يكون الايمان بوجود اللَّه عقيدة لا علما ، وكذا الايمان بعدم وجوده عقيدة لا علم ، لأن كلا منهما لا يستند إلى التجربة والاختبار ، وتكون المقارنة بينهما مقارنة بين عقيدة وعقيدة . . وبكلمة ان كل ما يتصل باللَّه سبحانه من الاعتراف أو الإنكار فهو من شؤون الغيب ، فإذا كان المؤمن بوجود اللَّه مؤمنا بالغيب ، لأنه لم يستند إلى التجربة ، فكذا من كفر به لم يستند إلى التجربة ، بل إلى الغيب ، فإذن هما سواء في ذلك .
وبعد هذا التمهيد نعرض قول الماديين الجاحدين لوجود اللَّه ، وقول المؤمنين باللَّه ، ونترك الخيار للقارئ .