اللَّه سبحانه نبيه الأكرم بقول السفهاء قبل وقوعه منهم ، وصدوره عنهم ، أما قول من قال بأن لفظة ( سيقول ) وان كان ظاهرها الاستقبال ، ولكن المراد منها الماضي ، وان اللَّه خاطب بها رسوله بعد ان قال السفهاء ، لا قبل أن يقولوا ، وجاءت بصيغة المستقبل إيحاء بأن ما قالوه كان مقدرا ومترقبا ، أما هذا القول فإنه تأويل للظاهر من غير دليل يدل عليه ، أو ضرورة تدعو إليه .
وعلى كل ، فلقد أمر اللَّه سبحانه رسوله الأعظم محمدا ( ص ) أن يجيب هؤلاء السفهاء بأن ( لِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .
أي ان الجهات كلها للَّه ، والكعبة وبيت المقدس إليه سواء . ولكن الحكمة والمصلحة تارة تستدعي أن يهدي من يشاء من عباده إلى بيت المقدس ، وتارة إلى الكعبة .
لما ذا الصلاة إلى جهة معينة ؟
وهنا سؤال يردده كثيرون ، وهو : لما ذا تجب الصلاة إلى جهة معينة ، ولا تصح الا إليها ، مع العلم بأن اللَّه سبحانه في كل مكان ، وانه قال صراحة :
ولِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ؟ . الآية 115 البقرة .
الجواب : أولا ان اللَّه سبحانه قال أيضا : فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، وهذه الآية 144 من سورة البقرة تفسير وبيان للآية 115 وان المراد بها التوجه إلى أية جهة تكون في الصلاة المستحبة حال المشي والركوب ، وفي صلاة المتحير الذي يجهل القبلة ، والمراد بآية 144 الاتجاه في الصلاة الواجبة ، وتقدم بيان ذلك مفصلا في الآية 115 .
ثانيا : ان صحة الصلاة تتوقف على وجود الأمر بها من اللَّه سبحانه ، وعلى هذا الأصل لا بد أن ننظر : هل تعلق الأمر بالصلاة إلى أية جهة أردنا ، أو إلى جهة خاصة ، فان كان الأول صحت الصلاة إلى أية جهة تكون . وان كان الثاني فلا تصح الا إلى الجهة المأمور بها ، سواء أكانت الكعبة أو بيت المقدس ، أو غيرهما . . وبكلمة ان امتثال الأمر شيء ، ووجود اللَّه في كل مكان شيء آخر . .
ان العبادة من الأمور « التوقيفية » على تعبير الفقهاء ، أي تتوقف على بيان اللَّه