وروى مسلم عن أبي سفيان أنّه قال للنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - لمّا أسلم :
يا رسول الله أعطني ثلاثاً : تزوّج ابنتي أمّ حبيبة ، وابني معاوية اجعله كاتباً ، وأمّرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، فأعطاه النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ، والحديث معروف مشهور . وفي هذا من الوهم ما لا يخفى ، فأمّ حبيبة تزوّجها رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وهي بالحبشة وأصدقها النجاشي عن النبي - صلّى الله وآله وسلّم - أربعمائة دينار ، وحضر وخطب وأطعم ، والقصّة مشهورة . وأبو سفيان إنّما أسلم عام الفتح وبين الهجرة إلى الحبشة والفتح عدّة سنين ، ومعاوية كان كاتباً للنبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - من قبل ، وأمّا إمارة أبي سفيان فقد قال الحافظ : إنّهم لا يعرفونها .
فيجيبون على سبيل التحنّق بأجوبة غير طائلة فيقولون في نكاح ابنته : إعتقد أن نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بكفر ، فأراد من النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - تجديد النكاح . ويذكرون عن الزبير بن بكّار بأسانيد ضعيفة أنّ النبي - صلّى الله عليه وآله وسلّم - أمّره في بعض الغزوات ، وهذا لا يعرف .
وما حملهم على هذا كلّه بعض التعصّب ، وقد قال الحافظ : إنّ مسلماً لمّا وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي فأنكر عليه وقال : سمّيته الصحيح فجعلت سلّماً لأهل البدع وغيرهم ، فإذا روى لهم المخالف حديثاً يقولون : هذا ليس في صحيح مسلم « فرحم الله تعالى أبا زرعة فقد نطق بالصواب ، فقد وقع هذا .