ضرورة بحسب تفاوت البواعث عليها ، فليس اللذة برياسة الانسان على أهل قرية كلذته بالرياسة على أقاليم معتبرة ، وإذا تفاوتت المحبة بحسب تفاوت البواعث فلذات العلوم أيضا متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات ، فليس معلوم أكمل ولا أجمل من المعبود الحق ، فاللذة الحاصلة في معرفته تعالى ومعرفة جلاله وكماله تكون أعظم ، والمحبة المنبعثة عنها تكون أمكن ، وإذا حصلت هذه المحبة بعثت على الطاعات والموافقات . فقد تحصل من ذلك أن محبة العبد ممكنة بل واقعة من كل مؤمن ، فهي من لوازم الايمان وشروطه ، والناس فيها متفاوتون بحسب تفاوت إيمانهم ، وإذا كان كذلك وجب تفسير محبة العبد لله بمعناها الحقيقي لغة ، وكانت الطاعات والموافقات كالمسبب عنها والمغاير لها . ألا ترى إلى الأعرابي الذي سأل عن الساعة فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :
ما أعددت لها ؟ قال : ما أعددت لها كبير عمل ، ولكن حب الله ورسوله ، فقال عليه الصلاة والسلام : أنت مع من أحببت . فهذا الحديث ناطق بأن المفهوم من المحبة لله غير الأعمال والتزام الطاعات ، لان الأعرابي نفاها وأثبت الحب وأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك . ثم إذا ثبت إجراء محبة العبد لله تعالى على حقيقتها لغة فالمحبة في اللغة إذا تأكدت سميت عشقا ، فمن تأكدت محبته لله تعالى وظهرت آثار تأكدها عليه من استيعاب الأوقات في ذكره وطاعته فلا يمنع أن تسمى محبته عشقا ، إذ العشق ليس إلا المحبة البالغة ، وما أردت بهذا الفصل إلا تخليص الحق والانتصاب لأحباء الله عز وجل من الزمخشري فإنه خلط في كلامه الغث بالسمين ، فأطلق القول كما سمعته بالقدح الفاحش في المتصوفة من غير تحر منه نسب إليهم ما لا يعبأ بمرتكبه ، ولا يعد في البهائم فضلا عن خواص البشر ، ولا يلزم من تسمي طائفة بهذا الاسم غاصبين له من أهله ، ثم ارتكابهم ما نقل عنهم مما ينافي حال المسمين به حقيقة أن يؤاخذ الصالح بالطالح - ولا تزر وازرة وزر أخرى - وهذا كما أن علماء الدين قد انتسب إليهم قوم سموا أنفسهم بأهل العدل والتوحيد ، ثم خلعوا الربقة فجحدوا صفات الله تعالى وقضاءه وقدره وقالوا : إن الامر أنف ، وجعلوا لأنفسهم شركا في المخلوقات وفعلوا وصنعوا ، فلا يسوغ لنا أن نقدح في علماء أصول الدين مطلقا ، لانهم قد انتسب إليهم من لا حيلة لهم في نفيه عن التسمي بنعتهم ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولا شك أن في الناس من أنكر تصور محبة العبد لله إلا بمعنى طاعته له لا غير ، وهو الذي يحاز إليه الزمخشري ، وقد بينا تصور ذلك وأوضحناه ، والمعترفون بتصور ذلك وثبوته ينسبون المنكرين إلى أنهم جهلوا فأنكروا ، كما أن الصبي ينكر على من يعتقد أن وراء اللعب لذة من جماع أو غيره ، والمنهمك في الشهوات والغرام بالنساء يظن أن
