المعنى : معناه نور وضياء ودلالة للمتقين من الضلالة ، وإنّما خصّ المتقين بذلك وإن كان هدى لغيرهم من حيث أنّهم هم الذين اهتدوا به وانتفعوا به كما قال : * ( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذّكْر ) * وإن كان أنذر من لم يتبع الذكر ، ويقول القائل : في هذا الأمر موعظة لي أو لك وإن كان فيه موعظة لغيرهما ، ويقال : هديت فلاناً الطريق إذا أرشدته ودللته عليه ، أهديه هداية .
والمتقي هو الذي يتقي بصالح أعماله عذاب الله ، مأخوذ من اتقاء المكروه بما يجعله حاجزاً بينه وبينه كما قال أبو حية النميري :
وألقت قناعاً دونه الشمس واتقت * بأحسن موصولين كف ومعصم [1] وقيل : إنّ المتقين هم الذين اتقوا ما حرم عليهم وفعلوا ما وجب عليهم ، وقيل : إنّ المتقين هم الذين يرجون رحمة الله ويحذرون عقابه .
وقيل : إنّ المتقين هم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق ، وهذا الوجه ضعيف لأنّه يلزم عليه وصف الفاسق المتهتك بأنّه متقٍ إذا كان بريئاً من الشرك والنفاق . وأصل الاتقاء الحجز بين الشيئين ، ومنه اتقاه بالترس لأنّه جعله حاجزاً بينه وبينه ، واتقاه بحق كذلك ، ومنه الوقاية لأنّها تحجز بين الرأس والأذى .
ومنه التقية في إظهار خلاف الابطان ، والفرق بينه وبين النفاق : انّ المنافق يظهر الخير ويبطن الشر ، والمتقي يظهر القبيح ويبطن الحسن ، ويقال : وقاه يقيه وقاية وتوقاه توقياً .
قوله تعالى : * ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) * آية بلا خلاف ( 3 ) .