وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم لأنّه وصفه بالرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، فصار بذلك كاسم العلم في أنّه يجب تقديمه على صفته ، وورد الأثر بذلك .
روى أبو سعيد الخدري عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ عيسى بن مريم قال : الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة . وروي عن بعض التابعين أنّه قال : الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين خاصة ، ووجه عموم الرحمن بجميع الخلق هو انشاؤه إياهم وجعلهم أحياء قادرين ، وخلقه فيهم الشهوات ، وتمكينهم من المشتهيات ، وتعريضهم بالتكليف لعظيم الثواب ، ووجه خصوص الرحيم بالمؤمنين ، ما فعل الله تعالى بهم في الدنيا من الألطاف التي لم يفعلها بالكفار ، وما يفعله بهم في الآخرة من عظيم الثواب ، فهذا وجه الاختصاص .
قوله : * ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) * .
ومعنى الحمد لله الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد بما أنعم على عباده من ضروب النعم الدينية والدنياوية [1] ، وقال بعضهم : الحمد لله ثناء عليه بأسمائه وصفاته ، وقوله الشكر لله ثناء على نعمه وأياديه ، والأول أصح في اللغة ، لأنّ الحمد والشكر يوضع كلّ واحد منهما موضع صاحبه ، ويقال أيضاً : الحمد لله شكراً فنصب شكراً على المصدر ، ولو لم يكن في معناه لما نصبه .
ودخول الألف واللام فيه لفائدة الاستيعاب ، فكأنّه قال : جميع الحمد لله ، لأنّ التالي مخبر بذلك ، ولو نصبه فقال : حمداً لله ، أفاد أنّ القائل هو الحامد فحسب وليس ذلك المراد ، ولذلك اجتمعت القرّاء على ضم الدال على ما بيّناه ، والتقدير : قولوا الحمد لله ، وإذا كان الحمد هو الشكر ، والشكر هو الاعتراف