( والثامن ) : وقال قوم : إنّه تأوّل النهي الحقيقي ، فحمله على الندب وأخطأ . وقد قدمنا ما عندنا فيه .
فإن قيل : كيف يكون ذلك ترك الندب مع قوله : * ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) * ؟
قلنا التوبة : - قيل - الرجوع ، ويجوز أن يرجع تارك الندب عن ذلك والعزم على ألاّ يعود مثله ، فيكون تائباً ، ومن قال : وقعت معصيته محبطة يقول : أنّه توبة صحيحة لأنّ بها يخرج عن الإصرار ، كما تجدّد التوبة بعد التوبة وإن كانت الأولى أسقطت العقاب .
فإن قيل : كيف يكون ذلك ندباً أو صغيرة وإبليس يقول لهما : * ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ ) * .
قيل : ما قبلا ذلك من إبليس ، ولو قبلاه لكانت المعصية أعظم ، فلما لم يعاتبهما الله على ترك ذلك ، دلّ على أنّهما لم يقبلا .
وهذا جواب من يقول : انّه كان صغيراً [1] أو كان ناسياً ، وعلى ما قلناه - إنّ ذلك كان ندباً - لا يحتاج إلى ذلك ، بل دليل العقل أمّننا من وقوع قبيح من آدم والأنبياء ، فلو كان صريحاً ، لتركنا ظاهره لقيام الدليل على خلافه ، على أنّه لا يمنع أن يقاسمهما : إنّه لمن الناصحين في ترك الندب ، وإنّما ظاهر النهي تركه يوجب أن يصيرا من الخالدين .
وقوله : * ( مِمَّا كَانَا فِيهِ ) * يحتمل أن يكون أراد من لباسهما حتى بدت لهما سوآتهما ، ويحتمل أن يكون من الجنة حتى أهبطا ، ويحتمل أن يكون أراد من الطاعة إلى المعصية .